ثانياً: أن إعادته بلفظه ربما يوهم أن الثاني غير الأول، لو قال: إنَّ زيداً إنَّ زيداً قائمٌ، قد يقول: إنك وصفت زيدين بالقيام .. يحتمل، هذا موهم. أن الثاني غير الأول وإنما وقع بينهما اشتراكٌ، ولذلك قيل: جاء في القرآن بإعادة الضمير: ((فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)) آل عمران:١٠٧ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ: هم في رحمة الله خالدون .. فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا، هم في رحمة الله، ففي الثانية مؤكدة لـ (في) في قوله: في رحمة، ثم أعاد الرحمة بالضمير هكذا قيل. فإن (في) الثانية في قوله: فيها، توكيدٌ لـ (في) الأولى في قوله: فِي رَحْمَةِ اللَّهِ.
إذاً: يشترط فيما إذا كان حرفاً غير جوابيٍ أن يُعاد مع الحرف المؤكِّد ما اتصل بالمؤكَّد، وإن كان اسماً ظاهراً فالأولى أن يُعاد بضميره، ثم لا بد من الفصل بينهما، فحينئذٍ لا يُقال: إنَّ إنَّ زيداً، فإن كان الحرف جواباً كنعم، وبلى، وجيري، وأجل، وإي، ولا، جاز إعادته وحده بنفسه أو بمرادفه، يعني: يصح أن تقول: نعم نعم .. نعم جيري، حينئذٍ يكون من باب توكيد الموافق لا بلفظه وإنما بمعناه. جاز إعادته وحده فيقال لك: أقام زيدٌ؟ فتقول: نعم نعم .. تقول: نعم جيري، لا لا .. ألم يقم زيد؟ تقول: بلى بلى، هذا من توكيد الحرف.
لاَ لاَ أَبُوحُ بِحُبِّ بَثْنَةَ إِنَّهَا ... ... أَخَذَتْ عَلَيَّ مَوَاثِقَاً وَعُهُودَا
وَمُضْمَرُ الرَّفْعِ الَّذِي قَدِ انْفَصَلْ ... أَكِّدْ بِهِ كُلَّ ضَمِيرٍ اتَصَلْ
يَجوز أن يُؤكد بضمير الرفع المنفصل كل ضميرٍ متصل، كل ضمير متصل إذا جئت تؤكده حينئذٍ تأتي بضمير الرفع مرفوعاً كان نحو: قمت أنت، أو منصوباً نحو: أكرمتك أنت، أو مجروراً نحو: مررت به هو، فضمير الرفع المنفصل يجوز أن يؤكَّد به كل ضميرٍ متصل، سواءً كان الضمير المتصل الذي هو المؤكَّد مرفوعاً أو منصوباً أو مخفوضاً، يعني: في محلٍّ من هذه المحآل.
(وَمُضْمَرُ الرَّفْعِ) هذا مبتدأ، ويجوز أن يكون منصوباً على الاشتغال، (أَكِّدْ بهِ) مررت به، أكِّد مُضمَر الرفع، (ومُضْمَرُ الرَّفْعِ) قلنا مبتدأ، وهو مضاف والرفعِ مضافٌ إليه (الَّذِي) نعتٌ، الَّذِي يعني: يصدق على التوكيد اللفظي المرادف، (قَدِ انْفَصَلْ) يعني: المنفصل، (أَكِّدْ بهِ) يعني: بضمير الرفع، (كُلَّ) مفعولٌ به، (كُلَّ ضَمِيرٍ اتَصَلْ) أي: يجوز أن يؤكَّد بضمير الرفع المنفصل كل ضميرٍ متصل: رأيتك أنت .. مررت بك أنت .. زيدٌ جاء هو.
إذاً: حصل التوكيد بهذا، لكن ليس متفقاً عليه، لأنه في حالة الرفع: قُمْتَ أنْتَ، أنتَ: ضمير رفع، وهو مؤكِّد، والمؤكَّد ضمير رفع من جنسه، لا إشكال في حالة الرفع، قمتَ أنتَ، فقد أُكِّد الضمير المرفوع، أو أكَّد الضمير المرفوع ضميراً آخر مرفوعاً، فهو توكيدٌ منفصل ليس له عاملٌ ملفوظٌ به حتى يمكن أن يجيء متصلاً .. هذا واضح.
أمَّا في حالة النصب: أكْرَمتُكَ أنتَ، فقد وقع الضمير المنفصل الذي أصله أن يكون في محل رفع توكيداً للضمير المتصل المنصوب، فهذا محل إشكال مع ما مر معنا في باب الضمائر.
ومذهب الكوفيين: أنه في هذه الحالة يجوز أن يؤتى بالضمير المنفصل المنصوب، فيقال: أكرمتُكَ إياكَ، يعني: