إذاً: الواو نقول: هي لمطلق الجمع عند البصريين، سواءٌ عُبِّر مطلق الجمع أو الجمع المطلق فالمعنى واحد لا فرق بينهما على المشهور عند النحاة، فإذا قلت: جاء زيدٌ وعمروٌ، الواو: حرف عطف، وعمروٌ: معطوف على زيد، ماذا تفيد هذه الواو؟ تدل على مطلق الجمع فقط .. الاجتماع، ثُمَّ الاجتماع هذا يُفَسَّر إمَّا بسابق أو لاحق أو معه، وهذا يحتاج إلى قرينة خارجة عن معنى الواو، أمَّا الواو تدل على أن عمرو وزيد اجتمعا في هذا الوصف وهو المجيء، وما عداه فنحتاج إلى قرينة، مع ترجيحٍ لبعض المعاني على بعض من حيث الأكثرية.
جاء زيدٌ وعمروٌ: دل ذلك على اجتماعهما في نسبة المجيء إليهما فقط، هذا المراد بالواو: مطلق الجمع، يعني: مطلق الجمع، الجمع غير المقيد، لأننا إذا قلنا: لاحق، قيدنا الجمع، وإذا قلنا: سابق، قيدنا الجمع، وإذا قلنا: مصاحب، قيدنا الجمع لا، نقول: الواو لمطلق الجمع، الجمع المطلق عن القيد بكونه مصاحباً أو لاحقاً أو سابقاً.
حينئذٍ إذا قيل: جاء زيدٌ وعمروٌ، لا يُفهم منهما .. لا يفهم من الواو: أيُّ أحدهما أسبق؟ لا يفهم، يحتمل أن يكون زيد، الترتيب الظاهر هو المراد جاء زيدٌ وعمروٌ، زيدٌ جاء قبل عمرو يحتمل، ويحتمل العكس، ويحتمل أنهما جاءا معاً، واحتمل كون عمروٍ جاء بعد زيد، أو جاء قبله، أو جاء مصاحباً له، وإنما يَتبيِّن ذلك بالقرينة، كالمعية في قوله تعالى: ((وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ)) البقرة:١٢٧ الواو هنا للمعية والمصاحبة، علمناها من خارجٍِ ليس من اللفظ، وإنما جاء في السابق .. القرآن أو في السنة ما يُفَسِّر أن إسماعيل كان يرفع البيت مع إبراهيم عليه السلام، حينئذٍ نستفيد من هذه القصة الخارجة عن مجرد النص المذكور معنا، بأن الواو هنا للمصاحبة.
إذاً: استفدنا المعية بقرينة: ((وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ)) البقرة:١٢٧ إسماعيلُ: بالرفع معطوفاً على إبراهيم، إذاً: الواو هنا للمصاحبة بدليلٍ أو بقرينةٍ خارجة.
والترتيب في قوله: ((إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا)) الزلزلة: ١ - ٣ الواو هنا للترتيب، لأن هذه الوقائع إنما تحصل مرتبةً كما جاء في السنة، وكذلك عكس الترتيب الذي هو قوله: سابقاً على لاحقٍ، في قوله تعالى: ((مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا)) الجاثية:٢٤ عكس الترتيب، نموت ونحيا .. نحيا ونموت، حينئذٍ: نموت ونحيا عطفت السابق على اللاحق، نحيا ونموت هذا الأصل، سيأتي مزيد بيان.
إذاً نقول: لمطلق الجمع عند البصريين الواو، وحكي الإجماع على ذلك، زعمه السيرافي وغيره، أن إجماع النحاة على أن الواو لمطلق الجمع، والمراد بمطلق الجمع: أنه لا يُقيِّد بقيدٍ من القيود الثلاثة التي ذكرناها.