(لِلترْتِيبِ بِاتِّصَالِ) احترازاً من (التَّرتِيبِ بِانْفِصَالِ) الذي هو معنى: (ثُمَّ) إذاً قوله: (بِاتِّصَالِ) متعلق بقوله: (لِلترْتِيبِ)، ولِلترْتِيبِ: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ الفاء، وَالفَاءُ: مبتدأ، كائنٌ للترتيب، و (بِاتِّصَالِ) متعلقٌ به، والمراد بالاتصال: ما يُعبِّر عنه جماهير النحاة بالتعقيب، يعني: أن يكون عقبه بلا مهلةٍ، يعني: ليس بين المعطوف والمعطوف عليه في إيقاع الحدث منهما مهلة، يعني: بلا تراخٍ، كما هو الشأن في (ثم) يعني: إذا قلت: جاء زيدٌ فعمروٌ، نقول: دلت الفاء على أمرين:
أولاً: الترتيب. ز تأخر المعطوف عن المعطوف عليه في إيقاع الحدث، ثم أفادت معنىً آخر وهو: أنه ليس بين الفعلين الواقعين بين المعطوف والمعطوف عليه .. ليس بينهما مهلة .. مباشرةً، جاء زيد فجاء عمروٌ بعده، ليس بينهما زمن، حينئذٍ نقول: هذا المراد بالتعقيب، وتعقيب كل شيءٍ بحسبه:
تزوج زيدٌ فوُلد له، الفاء هنا للتعقيب، تزوج فوُلد، هل هو مثل: جاء زيدٌ فعمروٌ مباشرة بعده عمرو؟ نعم، هنا وقعت بعده، لكن تزوج زيدٌ فولد له لا، وإنما لا بد من تسعة أشهر، إذاً: بينهما مهلة لكنها عرفية .. مهلة عرفية، فهذا تعقيب؟ نقول: نعم، الفاء هنا أفادت التعقيب، لكن هذا التعقيب ليس المراد أن ينفي الزمن لأنه منافٍ للعقل، وإنما المراد أنه لم يتأخر عن المهلة المعهودة، يعني: لو جلس سنتين أو ثلاث ما ولد له ثم قيل: تزوج زيدٌ فولد له خطأ، لماذا؟ لأنه وجد زيادة على تسعة أشهر، أمَّا إذا قيلت هذه بعد تسعة أشهر مباشرةً صار المعنى صحيح.
فإذا أردت أن تخبر بأن زيد تزوج فولد له في الوقت المعهود لم يتأخر عن السنة مثلاً، تقول: تزوج زيدٌ فولد له، وأمَّا إذا تأخر سنتين فأكثر تقول: تزوج زيدٌ ثم ولد له.
(وَالفَاءُ لِلترْتِيبِ بِاتِّصَالِ) يعني: بلا مهلةٍ .. بلا تأخر، وهذا المراد بمعنى: التعقيب عند النحاة، ((أمَّاتَهُ فَأَقْبَرَهُ)) عبس:٢١ مباشرة، موت ثم قبر، دخلت البصرة فبغداد، أول كان السفر ليس مثل الآن، دخلت البصرة فبغداد، إذا كانت المسافة بين البصرة وبغداد ثلاثة أيام وقد حصل دخوله بغداد بعد البصرة بثلاثة أيام فهي للتعقيب، فإذا زادت عن ذلك حينئذٍ خطأ في التعبير، فيقال: دخلت البصرة ثم بغداد، وهو في كل شيءٍ بحسبه، كما ذكرناه: تزوج فلانٌ فولد له، كذلك: دخلت البصرة فبغداد.
(وَالفَاءُ لِلتَّرْتِيبِ بِاتِّصَالِ) المراد بالترتيب هنا المعنوي، لأن الترتيب نوعان: ترتيب معنوي، وترتيبٌ ذكري، يعني: أن يذكر الشيء بعد الأول لكن لا بد من مناسبةٍ، وهنا المراد بالترتيب الترتيب المعنوي، بمعنى: أنه يَتعلَّق بالمعنى.