(وبِلاَ فَصْلٍ يَرِدْ ... فِي النَّظْمِ فَاشِياً) ويرد الفصل -العطف- دون فصلٍ .. (بِلاَ فَصْلٍ)، (فِي النَّظْمِ) .. في الشِّعْر، (فَاشِياً) كثيراً، ولكن (ضَعْفَهُ اعْتَقِدْ) اعتقد ضعفه .. ضعيف، لأنه مخالفٌ للواجب، إذاً: فافصل على أصله أنه واجب، ولكن الذي يحصل به الفصل أنت مُخيرٌ به. أَوْ فَاصِلٍ مَا، ثم نبه على أنه قد ورد العطف على ضمير الرفع المُتَّصِل من غير فصلٍ.
قال: و (يَرِدْ) أي: العطف، (بِلاَ فَصْلٍ) من غير فصلٍ .. لا بمعنى: غير، والجار والمجرور مُتعلِّق بقوله: (يَرِدْ)، (فِي النَّظْمِ) يعني: الشِّعْر، (فِي النَّظْمِ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (يَرِدْ)، (فَاشِياً) هذا حال من فاعل (يَرِدْ) يعني: كثيراً، فُهِمَ منه أنه كثيرٌ في الشِّعْر، وفُهِمَ منه العكس: أنه غير فاشٍ في النثر، (فَاشِيَاً) كثيراً مُنتشِراً، فحينئذٍ فاشياً هذا حالٌ من فاعل (يَرِدْ) فُهِمَ منه لأنه صفة .. حال وصفٌ في المعنى، حينئذٍ فُهِمَ منه: أنه غير فاشٍ في النثر.
(وَضَعْفَهُ اعْتَقِدْ) يعني: مع فشوه وكثرته اعتقد ضعفه أنه ضعيف، لأنه مخالفٌ للأصل، (وَضَعْفَهُ اعْتَقِدْ) اعتقد ضعفه، أي: على مذهب البصريين، وأجازه الكوفيون بلا ضعفٍ قياساً على البدل نحو: أعجبْتني جَمالُك، جمالُك: بدل من التاء .. أعجبْتني .. التاء .. أنت، جمالُك: وقع بدل دون فاصلٍ، قيس عليه العطف، لكن هذا بعيد، لأن البدل والمُبدل منه شيءٌ واحد، وأمَّا العطف فلا، فهما منفصلان: ((أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ)) الأنعام:٩١ فرقٌ بينهما.
وأجازه الكوفيون بلا ضعفٍ قياساً على البدل، نحو: أعجبتني جمالُك، والفرق على مذهب البصريين، يعني: بين البدل وبين العطف، لماذا لا تقيسون كما قاس الكوفيون؟ قالوا: لا، ثَمَّ فرق، الفرق على مذهب البصريين: أن الثاني في العطف غير الأول غالباً، يعني: مُنفصل .. منفك، وأمَّا البدل هو عينه، البدل والمبدل منه شيءٌ واحد، جاء زيدٌ أخوك: أخوك هو زيد، وزيد هو أخوك، إذاً: هذا أمرٌ سهل.
أن الثاني في العطف غير الأول غالباً، فلا بُدَّ من تقوية الأول بخلاف البدل، وكالبدل التأكيد إلا النفس والعين، قال المكودي: " ووجه الضعف: أن ضمير الرفع المُتَّصِل شديد الاتصال برافعه، فصار كأنه حرفٌ من حروف عامله، فإذا لم يفصل بينهما فكأنه عُطف اسمٌ على فعلٍ ".
إذاً:
أَوْ فَاصِلٍ مَا وَبِلاَ فَصْلٍ يَرِدْ ... فِي النَّظْمِ فَاشِياً وَضَعْفَهُ اعْتَقِدْ
فِي النَّظْمِ فَاشِياً: كثيراً، مفهومه أنه في النثر قليل، (وَضَعْفَهُ اعْتَقِدْ) سواءٌ كان في النظم أو في النثر، هذا مطلقٌ.
قال ابن عقيل: " والضمير المرفوع المستتر في ذلك كالمُتَّصِل نحو: اضرب أنت وزيدٌ .. "اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ" هذا على المشهور عند النحاة، ومنه قوله تعالى: ((اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ)) البقرة:٣٥ فزوجك: معطوفٌ على الضمير المستتر في: اسكن، وصح ذلك للفصل بالضمير المنفصل وهو: أنت.
وأشار بقوله: بِلَا فَصْلٍ يَرِدْ: إلى أنه قد ورد في النظم كثير من العطف على الضمير المذكور بلا فصلٍ، كقوله:
قُلتُ إِذْ أقْبَلَتْ وَزُهْرٌ تَهَادَى ... كَنِعَاجِ الفَلاَ تَعَسَّفْنَ رَمْلاَ