إذاً (عَوْدُ خَافِضٍ) يشمل الخافض إذا كان حرفاً: مررت بك وبزيدٍ، ويشمل الخافض إذا كان اسماً: جلست بينك وبين زيدٍ، لا بُدَّ من إعادته. فإعادة الخافض في ذلك لازمةٌ عند جمهور البصريين إلا في الضرورة، وذهب الكوفيون: إلى أنه لا يلزم، يعني: يجوز العطف دون إعادته الخافض، فيُقال: مررت بك وزيدٍ، وجلست بينك وزيدٍ دون إعادة الخافض.
(وَعَوْدُ خَافِضٍ) عود: مبتدأ وهو مضاف، وخافضٍ: مضاف إليه، وهذا عام شاملٌ للحرف والاسم، لكن لا يعاد الاسم إلا إذا لم يُلبِس، فإن ألبس حينئذٍ مُنِعَ، كقولك: جاء غلامك وغلام زيدٍ، لو قال: جاء غلامك وزيدٍ، وهو غلام واحد، حينئذٍ لا يُعاد، فلا يُقال: جاء غلامك وغلام زيدٍ، لأنه إذا أعيد أوقع في لبسٍ، وهو أن المراد به غلامان، والمراد به في النفس غلامٌ واحد، جاء غلامك وزيدٍ، لا يُعاد الخافض هنا، لماذا؟ لأنك لو أعدته لأوقعت في لبسٍ، وهو أن الغلام هو واحد لزيد ولك، فإذا قلت: جاء غلامك وغلام زيدٍ صار اثنين، وأنت تريد أن يكون واحداً، إذاً: السامع لا يفهم أنه واحد، وإنما يفهم أنه اثنان، فتقول: جاء غلامك وزيدٍ، يعني: غلامك وغلام زيدٍ. تريد غلاماً واحداً مشتركاً بينهما لم يجز إلا إذا قامت قرينة تدل على المقصود.
(وَعَوْدُ خَافِضٍ لَدَىَ) (لَدَىَ) بمعنى: عِنْدَ، مُتعلِّق بقوله: عود، لأن عود هذا مصدر: عاد يعود عوداً، فيتعلق بالظرف.
(وَعَوْدُ خَافِضٍ لَدَىَ) يعني: عِنَد، (عَطْفٍ عَلَى ضَمِيِر خَفْضٍ): عِنَد عطفك أنتَ عَطْفٍ عَلَى ضَمِيِر خَفْضٍ، (لاَزِمَاً قَدْ جُعِلاَ) قد جُعِلَ لازماً، قد: للتحقيق، وجُعلا: الألف للإطلاق، وجُعِلَ: هذا مغيِّر الصيغة، وفيه نائب فاعل هو المفعول الأول و (لاَزِمَاً) مفعولٌ ثاني، قد جُعِلَ لازماً في غير الضرورة، وعليه جمهور البصريين، ومنه: ((فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ)) فصلت:١١ أعاد اللام، لها وللأرض: أعاد اللام مرة أخرى.
كذلك: ((وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ)) المؤمنون:٢٢ ما قال: والفلك، إنما عطف على الضمير المجرور بإعادة الخافض.
وَعَوْدُ خَافِضٍ لَدَى عَطْفٍ عَلَى ... ضَمِيرِ خَفْضٍ لاَزِمَاً قَدْ جُعِلاَ
قد جُعِلَ لازماً عند جمهور البصريين في غير الضرورة، والآيات واضحة.
(وَلَيْسَ عِنْدِي لاَزِمْاً) خالف! وَلَيْسَ عِنْدِي يعني: وليس عَودُ الخافض لازماً عندي، (عِنْدِي) هذا مُتعلِّق بقوله: (لاَزِمْاً) وهو معمولٌ للخبر، وقد فصل بين العامل وهو ناسخ، وبين الخبر:
وَلا يَلِي الْعَامِلَ مَعْمُولُ الْخَبَرْ ... إِلاَّ إِذَا ظَرْفَاً أَتَى أَوْ حَرْفَ جَرّ
فهو مُستساغ .. فهو جائز، لأنه ظرف، إذاً: معمول الخبر هنا فصل بين العامل والخبر، وهذا جائزٌ لكونه ظرفاً.