إذاً: بدل الاشتمال بدل شيءٍ من شيءٍ يشتمل عامله على معناه، وإن رأيت قول ابن مالك تقول: اشتمل الأول على الثاني، وإن رأيت قول الفارسي تقول: اشتمل الثاني على الأول، فالمشتمل حينئذٍ إمَّا الأول وإمَّا الثاني وإمَّا العامل، ونحن الآن نقول: العامل. بدل شيءٍ من شيءٍ يشتمل عامله على معناه بطريق الإجمال: أعجبني زيدٌ علمه، أو كلامه، فلا بُدَّ حينئذٍ كما اشتُرِطَ في بدل البعض من الكل أن يكون مشتملاً على ضميرٍ عائدٍ على المبدل منه كالشرط السابق، سواءٌ كان مذكوراً أو محذوفاً مقدراً: ((يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ)) البقرة:٢١٧ قِتَالٍ فِيهِ الضمير يعود على الشهر الحرام.
أو مُقدَّر: ((قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ * النَّارِ)) البروج: ٤ - ٥ فيه! هذا بدل اشتمال، فيه نقول: الضمير هنا مُقدَّر.
إذاً: بدل الاشتمال، وهو الدآل على معنىً في متبوعه، نحو: أعجبني زيدٌ علمه، وَاعْرِفْهُ حَقَّهُ، حق: هذا بدل اشتمال من قوله: اعْرِفْهُ .. الهاء، حينئذٍ صار بدل اشتمال.
بدل الاشتمال قيل: ما صح الاستغناء عنه بالأول، وليس مطابقاً ولا بعضاً، قد يُقال: أعجبني زيد .. سُرِقَ زيد، قد يستغنى عن بدل الاشتمال، لأن الأول قد يُسْنَد إليه الفعل: سُرِقَ زيدٌ، أو أعجبني زيد .. أعجبتني الجارية كلامها، حينئذٍ نقول: الأول يغني عن الثاني .. قد يستغنى عنه، لماذا؟ لصحة إسناد الأول .. الفعل إلى الثاني، ولو على جهة المجاز: سُرِقَ زيدٌ، أطلقت الكل: زيد، على أنه الذي سُرِقَ منه فرسه مثلاً أو ثوبه.
إذاً: ما صَحَّ الاستغناء عنه بالأول وليس مطابقاً ولا بعضاً، ولذلك بعضهم يُعبِّر عن بدل الاشتمال: ما كانت العلاقة بينه وبين المُبْدَل منه بغير الكلية والجزئية، وهذا أوضح، لماذا؟ لأنك تنظر في البدل: إمَّا أن يكون بدل كل من كل .. العلاقة بينهما كلية، أو بدل بعض .. جزء من كل، العلاقة جزئية، إن لم يكن هذا أو ذاك فهو بدل اشتمال، وأكثر ما يكون: يُعبَّر عنه بالمصدر، أعجبني زيدٌ علمُه .. كلامُه، ونحو ذلك. وأكثر ما يكون بالمصدر: أعجبني زيدٌ علمُه، وقد يكون بالاسم نحو: سُرِقَ زيدٌ ثوبه، هذا النوع الثالث.
الرابع الذي أشار إليه بقوله: (أَوْ كَمَعطُوفٍ بِبَلْ).
وَذَا لِلاِضْرَابِ اعْزُ إِنْ قَصْداً صَحِبْ ... وَدُونَ قَصْدٍ غَلَطٌ بِهِ سُلِبْ
وهو البَدَلْ المُبَايِّن للمُبْدَل منه، البدل لا بُدَّ أن يكون مقصوداً كما سبق بيانه، التَّابعُ المَقْصُودُ بالْحُكْمِ، إذاً: لا بُدَّ أن يكون مقصوداً، فإن لم يكن مقصوداً فالأصل فيه: ألا يكون بدلاً، هذا الأصل، لكن تَجوَّز النحاة بتسميته بدل غلط، وبدل نسيانٍ كما سيأتي.