وأمَّا الإفراد والتذكير وأضدادهما، فإن كان بدل كل وافق متبوعه فيها ما لم يمنع مانع، يعني: في بدل المطابق، أو بدل كل من كل، يشترط فيه: المطابقة لما قبله، في الإفراد والتثنية والجمع إلى آخره. ما لم يمنع من التثنية والجمع مانع، ككون أحدهما مصدراً، وسبق أن المصدر يطلق ويراد به التثنية والجمع، ولذلك جاء: ((مَفَازاً * حَدَائِقَ)) النبأ: ٣١ - ٣٢ مفازاً، لم يقل: مفاوز جمع مفازة، قال: مفازاً واحد، لماذا صح هنا أن يبدل وهو بدل كل من كل؟ نقول: مفازاً في المعنى: جمع، فهو موافق .. مطابق، من جهة المعنى مطابق، ومن جهة اللفظ لا، حينئذٍ العبرة بالمعنى، فإذا وقع مصدراً المبدل منه، ووقع البدل في بدل كل من كل مثنىً أو جمعاً لا إشكال، حينئذٍ نقول: التطابق حاصلٌ في المعنى، وإن لم يكن حاصلاً في اللفظ، لأن إطلاق المصدر وإرادة التثنية أو الجمع هذا واردٌ في لسان العرب.
كأن يكون مصدراً أو قُصد التفصيل كقوله:
وَكنتُ كَذي رجلينِ رِجلٍ صَحيحةٍ ... ورجلٍ رمى فيها الزَّمانُ فشلَّتِ
(رجْلَين) مبدل منه .. متبوع، ورجلٍ صحيحةٍ: هذا بدل كل من كل، لأنه أراد أن يُفَصِّل: رجل صحيحة، ورجلٍ رمى بها الزمان فشلت، إذاً: هذا بدل كل من كل، ولم يحصل التطابق لماذا؟ لكون المراد بالبدل هنا: التفصيل، وحصلت المطابقة في المعنى. وإن كان غيره من أنواع البدل لم يلزم موافقته فيها، إذاً: لا إلزام لا في التنكير والتعريف ولا في الإفراد ولا في التثنية، ولا في الجمع إلا إذا كان بدل كل من كل، ما لم يمنع منه مانع كأن يكون المتبوع مصدراً، أو أن يكون المراد بالبدل التفصيل كالبيت الذي ذكرناه.
ثُمَّ قال:
وَمِنْ ضَمِيرِ الْحَاضِرِ الظَّاهِرَ لاَ ... تُبْدِلْهُ إِلاَّ مَا إِحَاطَةً جَلاَ
(وَمِنْ ضَمِيرِ الحَاضِرِ الظَّاهِرَ)، (الظَّاهِرَ) ما إعرابه؟ مفعول به، لأي شيء؟ منصوبٌ من باب الاشتغال، أصل التركيب: الظاهرَ لا تبدله من ضمير الحاضرِ، لذلك لو أعربت أولاً (مِنْ ضَمِيرِ) أعربت الجملة، (مِنْ ضَمِيرِ) مُتَعلِّق بقوله: (تُبْدِلْهُ) إذاً: حقه التأخير، فتقول الترتيب: الظاهرَ لا تبدله من ضمير الحاضر، حينئذٍ أراد أن يتحدث في هذين البيتين على البدل في الضمائر، نقول: يبدل الظاهر من الظاهر، لا إشكال فيه، تقول: جاء زيدٌ أخوك، أبدلت الظاهر وهو أخوك من زيد، ولا إشكال.
ولا يُبْدل المضمر من المضمر .. الضمير من الضمير لا يُبدل .. لا يقع بدلاً عنه، ونحو: قُمتَ أنتَ، قد يقول قائل: أنتَ هذا بدل من قمتَ .. من التاء، نقول: لا، هذا توكيد وليس ببدل، ومررت بك أنت، أنتَ: هذا توكيد للكاف وليس بدلاً منه، فهو توكيدٌ اتفاقاً بلا خلاف بين النحاة، وكذلك نحو: رأيتك إياك، إياك: هذا توكيد للكاف وليس بدلاً منه، وكذلك نحو: رأيتك إياك عند الكوفيين والناظم، إذاً: لا يُبدل المضمر من المضمر، ويبدل الظاهر من الظاهر.