من مفهوم قول الناظم هنا: (وَمِنْ ضَمِيرِ الْحَاضِرِ الظَّاهِرَ لاَ ... تُبْدِلْهُ) يُفهَم منه: أنَّ الظاهر يَجوز إبداله من الظاهر، لماذا؟ لأنه نفى نوعاً واحداً: من ضمير الحاضر الظاهر لا تبدله، إذاً: إبدال الظاهر من الظاهر يجوز، ومن ضمير الغائب .. لأنه قال: (وَمِنْ ضَمِيرِ الْحَاضِرِ) .. ومن ضمير الغائب؟ ظاهر النص بالمفهوم: أنه يجوز إبداله، إذاً: تبدل الظاهر من الظاهر، وتبدل الظاهر من ضمير الغائب مطلقاً كما ذكرناه سابقاً .. بالمفهوم، هو نص بالمنطوق على ماذا؟ على أنه لا يبدل من الحاضر الظاهر، يعني: لا يكون الاسم الظاهر بدلاً والمبدل منه ضمير الحاضر مُتَكلِّماً كان أو مخاطَباً، مفهومه: أنه تبدل الظاهر من الظاهر، وتبدل الظاهر من ضمير الغائب.
فُهِم منه: جواز إبدال الظاهر من الظاهر، ومن ضمير الغائب مطلقاً، كما ذكره الناظم في أمثلته، ولا يجوز أن يبدل الظاهر من ضمير المُتَكلِّم أو المخاطب، وهذا الذي نص عليه: الظَّاهِرَ لاَ تُبْدِلْهُ من ضمير المُتَكلِّم أو المخاطب، هذا بالنص، والمفهوم: أخذنا منه المسائل الأخرى، (إِلاَّ) هذا استثناء من جواز إبدال الظاهر من ضمير الحاضر، إذاً: كأنه يقول لك: لا تبدل الظاهر من ضمير الحاضر إلا إذا اقتضى بأن يكون الثاني مقتضٍ للإحاطة، وذلك فيما إذا كان بدل كل من كل، أو كان بدل بعض، أو كان بدل اشتمال.
إذاً: ما الذي مُنِع .. إذا جَوَّز بدل البعض والاشتمال والكل؟ بقي: بدل كل من كل .. بدل كل لا يقتضي إحاطةً، وبقي بدل الإضراب، لأنه يجوز أن تبدل من ضمير الحاضر الاسم الظاهر إذا كان البدل بدل بعض، ويجوز إذا كان بدل اشتمال، ويجوز إذا كان بدل كل من كل، لكن مع إحاطةٍ، بأن يكون ثَمَّ بينهما مَا يُشْعِر بالإحاطة، فإن لم يكن كذلك حينئذٍ المنع، ولم يبق إلا القليل.
(إِلاَّ مَا إِحَاطَةً جَلاَ) إلى آخر كلامه .. إلا إذا كان البدل بدل كلٍ وفيه معنى الإحاطة، فإن لم يكن فيه معنى الإحاطة، فمذاهب:
أولها: المنع، وهو مذهب البصريين، وهو ظاهر كلام الناظم هنا.
والثاني: الجواز، وهو مذهب الكوفيين والأخفش.
وثالثها: يجوز في الاستثناء نحو: ما ضربتكم إلا زيداً، وهو قول قطرب.
قال الشارح هنا: " أي: لا يبدل الظاهر من ضمير الحاضر إلا أن كان البدل بدل كلٍ من كل، واقتضى هذا البدل .. بدل كل من كل الإحاطة والشمول، يعني: دل على الإحاطة والشمول، أو كان بدل اشتمال، أو بدل بعضٍ من كل، ولم يبق إلا بَدَل الغلط والإضراب، وبدل الكل إذا لم يفد إحاطةً فلا يجوز. " فالأول الذي اقتضى الشمول كقوله: ((تَكُونُ لَنَا عِيداً لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا)) المائدة:١١٤ لنا .. نا: هذا ضمير مُتَكلِّم، أولنا: هذا ظاهر، الأصل ألا يجوز إبدال الاسم الظاهر من الضمير الحاضر، لكن هنا لمَّا كان: أولنا وآخرنا، البدل بالعطف يقتضي الإحاطة، حينئذٍ جاز أن يكون بدلاً من (نا).