يا اسْلَمي: هذا دعاء، (يا) وقلنا: (يا) لا تدخل إلا على الأسماء، إذاً: يا هؤلاء مثلاً، أو يا قومِ، أو يا هذه، نقول: هنا حُذِفَ المُنَادى وبقي حرف النداء، وهو مقيسٌ عند ابن مالك رحمه الله، فيما إذا تلاه -يعني: حرف النداء- أمرٌ أو دعاءٌ، وما عداه فهو على الأصل من المنع. وذهب أبو حيَّان إلى منعه مُطلقاً ولو كان بعد الأمر والدعاء.
وعَلَّلَه: بأن الجمع بين حذف فعل النداء وحذف المُنَادى إجحافٌ، ولم يرد بذلك سماعٌ عن العرب.
و (يا) في الشواهد التي استدل بها ابن مالك وغيره للتنبيه، ليست حرفَ نداء وإنما هي للتنبيه، وهذا مضى معنا في أول الباب.
كـ (هي) قبل (ليت)، و (رُبَّ) و (حبذا)، هذا يكاد يكون محل وفاق: أن (يا) إذا كانت تاليةً لها (ليت) ((يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ)) يس:٢٦ يا حبذا، سبق معنا أن (حبذا) هذه تدخل عليها (يا)، كذلك: يا رُبَّت ما، دخلت (يا) على رُبَّ، حينئذٍ نقول: هذه حرف تنبيه وليست بحرف نداء، وهذا التعليل واضح بيِّن، أمَّا: (أَلاَ يا اسْلَمي) نقول: لو جُعِلتَ (يا) حرف تنبيه، و (ألاَ) حرف تنبيه للزِمَ دخول حرف تنبيهٍ على حرف تنبيه، حينئذٍ لا بُدَّ أن نقول: بأن (يا) هنا حرف نداء على الأصل، والمُنَادى محذوف، وما أجاب به أبو حيَّان فهو فيه نظر.
ثُمَّ قال رحمه الله:
وَابْنِ المُعَرَّفَ المُنَادَى المُفْرَدَا ... عَلَى الَّذِي فِي رَفْعِهِ قَدْ عُهِدَا
هذا شروعٌ في حكم المُنَادى نفسه، انتهينا من النِداء .. تعريفه، وانتهينا من حروف النِداء، وما يجوزُ حذفه وما لا يجوزُ، واستعمالاته ونحو ذلك.
الآن دخولٌ في المُنَادى نفسه، المُنَادى: إمَّا أن يكون مبنياً، وإمَّا أن يكون مُعْرَباً، وإن شئت قل: إمَّا أن يكون مرفوعاً، وإمَّا أن يكون منصوباً، متى يكون مبنياً، ومتى يكون معرباً على النصب؟ قال: (وَابْنِ) أمر.
وَابْنِ المُعَرَّفَ المُنَادَى المُفْرَدَا ... عَلَى الَّذِي فِي رَفْعِهِ قَدْ عُهِدَا
(ابْنِ) هذا فعل أمر مبنيٌ على حذف حرف العلة وهو (الياء) بنا يبني ابْنِ، إذاً: يبني ابْنِ، إذاً: حذف حرف العلة وهو (الياء).
(وَابْنِ) والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره: أنت و (المُعَرَّفَ) مفعولٌ به، و (المُنَادَى) هذا بدل أو عطف بيان، (المُفْرَدَا) الألف هذه للإطلاق، والمفردَا: نعتٌ للمُنَادى، ابْنِ عَلَى الَّذِي .. إذاً: عَلَى الَّذِي: جار مجرور مُتَعلِّق بقوله: (ابْنِ).
(قَدْ عُهِدَا فِي رَفْعِهِ)، (في رفعه) مُتَعلِّق بقوله: (عُهِدَا) والألف للإطلاق في عُهِدَا وهو مُغَيَّر الصيغة، و (قَدْ)، وجملة: (قَدْ عُهِدَا) من الفعل والفاعل لا محل لها من الإعراب صلة الموصول، إذاً: هكذا البيت:
وَابْنِ المُعَرَّفَ المُنَادَى المُفْرَدَا ... عَلَى الَّذِي فِي رَفْعِهِ قَدْ عُهِدَا
(عَلَى الَّذِي قَدْ عُهِدَا فِي رَفْعِهِ)، وسيأتي تأويل: (رَفْعِهِ).