ثُمَّ أشار إلى الثاني والثالث بقوله: (وَمَا سِوَاهُ سَتْرُ فِعْلِهِ لَنْ يَلزَمَا) (سَتْرُ) بفتح السين مصدر سَتَر، وبالكسر (سِتْر) اسم للشيء الذي يقع به الستْر، يعني: كالجدار، هو عَينُه الستْر، و (السَتْرُ) هو الفعل، (لَنْ يَلزَمَا) فَشَمِل قوله (وَمَا سِوَاهُ) النوعين الثاني والثالث، ما ناب عن (إيَّا) من الأسماء المُضافة لضمير المخاطب والمُحذَّر منه، وقوله: (لَنْ يَلزَمَا) يعني: أنهما منصوبان بفعلٍ مضمر ويجوز إظهاره، (لَنْ يَلزَمَا) الألف للإطلاق، يعني: يُنصبان بفعلٍ مُضْمَر ثُمَّ هذا المُضْمَر لا يجب حذفه بل يجوز ذكره، تقول: (رأسك) يعني: نح رأسك، وهذا تحذير.
وتقول في المُحذَّر منه (الأسد) يعني: احذر الأسد، هذا جائز، يجوز أن تظهر الفعل فتقول: (احذَر الأسد) ويجوز أن تقول: (رأسك .. نفسك .. ) (اتق نفسك) يعني: من الشر ونحوه و (الأسد) يعني: احذر الأسد، (رأسك) يعني: نح رأسك.
وقد استثنى من ذلك نوعين أشار إليهما بقوله: (إِلاَّ مَعَ العَطْفِ أَوِ التَّكْرَارِ) فالعطف نحو (رأسك) و (الحائط)، والتَكرَّار نحو: (الأسد .. الأسد) وقد مَثَّله بقوله (كَالضَّيغَمَ الضَّيغَمَ يَا ذَا السَّارِي) و (الضَّيغَمَ) الأسد و (السَّارِي) اسم فاعل من سرى إذا مشى ليلاً وهو مَضِنَّة الخوف من الضَّيْغم، يَا ذَا السَّارِي الذي يسري في الليل، وإنما وجب حذف العامل مع (إيَّا) لكثرة الاستعمال، وأما مع العطف والتكرار فقد جُعِل كالبدل عن الفعل.
والخلاصة نقول: للتحذير ثلاث طرق:
أولاً: بِذِكْر اللفظ .. أن يُذْكَر بلفظ (إيَّاك وأخواته) ولك في هذا الوجه أن تعطف المحذور على (إيَّاكَ) فتقول: إيَّاكَ والأسد، هذا وجهٌ أول، أو تَخْفضه بـ (مِن) هذا على قول يراه بعضهم: (إيَّاكَ من الأسد) أو تَنْصب المحذور بغير عاطفٍ عند سيبويه، ومنعه الجمهور، فتقول: (إيَّاك الأسد) سيأتي أن الصحيح يجوز، الجمهور على المنع، (إيَّاك الأسد .. إيَّاك والأسد .. إيَّاك من الأسد) ثلاثة أوجه في (إيَّا)، (إيَّاك والأسد) متفقٌ عليه، (إيَّاك من الأسد) كذلك متفقٌ عليه في الجملة، (إيَّاك الأسد) بدون (واو) ولا (من) هذا مختلفٌ فيه: الجمهور على المنع، وسيبويه على الجواز، والصحيح أنه يجوز.
الطريق الثاني: أن يُذْكَر اسمٌ ظاهر نائب عن (إيَّا) مضافاً إلى ضمير المُحذَّر المخَاطَب، ولك في هذا الوجه: أن تجيء بِما ذُكِرَ من غير عطفٍ ولا تكرار (نفسك .. الأسد .. رأسك) كما ذكرناه، أو مع العطف (نفسك والأسد) أو بالتكرار فتقول: (نفسك .. نفسك) (رأسك .. رأسك) (الأسد .. الأسد) هذا الطريق الثاني.
الثالث: أن يُذْكَر المُحذَّر منه مُكرَّراً أو معطوفاً عليه أو بدونهما، فتقول: (الأسد .. الأسد)، أو تقول: (الأسد) أو تقول: (الكسل والتواني) والمشهور الذي عليه الاعتماد هو الأول.
(إِيَّاكَ وَالشَّرَّ) قال بعضهم: إن هذا التركيب فيه ضميران، ما هما الضميران؟ (إيَّا) نفسه ضمير .. هذا ضمير نصب، وبقي ضمير مستتر، في هذا التركيب ضميران أحدهما: هذا البارز المنفصل المنصوب وهو (إيَّاك) والآخر: ضمير رفعٍ مستكن فيه منتقلٌ إليه من الفاعل الناصب له.