فَاليْومَ أَشْرَبْ غَيْرَ مُسْتَحْقِبٍ ... إِثْمَاً مِنَ اللَّهِ وَلاَ وَاغِلِ
وقيل: البيتان ضرورة، (مُحَمَّدٌ تَفْدِ) هذا ضرورة، (فَاليْومَ أَشْرَبْ) .. (أَشْرَبْ) سَكَّنَه، ولم يَقُل: لم أشرب، هذا ضرورة .. قيل: البيتان ضرورة، وقيل: الأول على تقدير اللام: (مُحمَّدُ لِتفْدِ نَفْسَك) .. (لِتفْدِ) واللام جازم، الأولى أن يُقَال: بأنه ضرورة؛ لأنَّ الحرف لا يعمل محذوفاً، أو نقول: حَذَفَه شُذُوذاً .. أعْمَلَه بعد حذفه شذوذاً، هذا أو ذاك.
وأمَّا الثاني: (اليْومَ أَشْرَبْ) فإنَّ الرواية الصحيحة فيه: (فاليوم أُسْقَى) بالبناء للمجهول، و (أُسْقَى) هذا فعل مضارع مرفوع ورفعه ضَمَّة مُقدَّرة على آخره، إذاً: اتَّفَقَ النُّحَاة على أنَّ الفعل إذا تَجرَّد عن النَّاصِب والجازم كان مرفوعاً، وما ورد من كونه مُجرَّداً عن النَّاصِب والجازم وهو مجزوم حِينئذٍ إمَّا أنَّه ضرورة، وإمَّا أنَّه شاذ، وإمَّا أنَّه مُؤوَّل .. يُخَرَّج، أمَّا أنَّه يُجْعَل قاعدة ويُستثنى منه فالأمر ليس كذلك.
ارْفَعْ مُضَارِعاً إِذَا يُجَرَّدُ ..
(ارْفَعْ) يعني: يجب رفع المضارع حِينئذٍ (إِذَا يُجَرَّدُ)، والمراد (إِذَا يُجَرَّدُ) يعني: إذا لم يَتَقدَّمه ناصب ولا جازم، هذا المُراد بالتَّجْرِيد، وهذا هو العامل المعنوي الثاني والصَّحِيح، هنا لا عامل معنوي، الأصل عند النُّحَاة: ألا يُعلَّقَ الحكم بالعامل المعنوي لأنَّه ضعيف، فالأصل أن يكون العامل لفظياً.
حِينئذٍ لأنَّ الخطاب هنا والكلام والبحث إنَّمَا هو الملفوظات: (الكلام: هو اللفظ المُرَكَّبُ المُفِيدُ بِالوَضع) حِينئذٍ نقول: الأصل تعليق الحكم بما هو ملفوظٌ به، وأمَّا إذا تَعَسَّرَ علينا ذلك، ولم نَتمَكْن إلا من أن نَجْعَل العامل إلا معنوياً حكَمْنا به، ولذلك قيل: العوامل المعنوية كثيرة، منها قيل: التَّبَعِيَّة، وقيل: التَّوَهُّم، وقيل: المجاورة، وقيل: الطَّلَب كما في الجزم.
حِينئذٍ نقول: هذه كلها ادُّعِي أنَّها عوامل، ولا يصح منها إلا اثنان، والثالث مُحتَمِل، الاثنان هما: الابتداء في باب المبتدأ .. أنَّه مرفوع بالابتداء، والثاني: التَّجَرُّد وهو هنا – وهذا صحيح .. كلاهما صحيحان – بل هما المرجَّحَان، والثاني الذي هو التَّجَرُّد هنا كما سيأتي .. كونه مُجَرَّداً عن عاملٍ لفظيٍ يقتضي النَّصْب، وعَاملٍ لفظي يقتضي الجزم، حِينئذٍ حكمنا عليه بكونه مرفوعاً، والعامل فيه التَّجَرُّد.
كونه لم يَتَقدَّم عليه ناصب ولا جازم .. هذا عدَم، إذاً: ليس لشيء، هذا الأصل كما سيأتي، حِينئذٍ نقول: هذان عاملان معنويان، وهما صحيحان.
بقي عامل ثالث وهو مُحتمِل وهو جواب الطَّلَب: ((قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ)) الأنعام:١٥١ بعض النُّحَاة يرى أنَّ (أَتْلُ) هنا مجزوم، ولم يَتَقدَّمه جازم لفظي، قالوا: الطَّلَب .. كونه في جواب الطلب: (قُلْ تَعَالَوْا) .. (تَعَالَوْا) هذا مجزومٌ وجازمه الطَّلَب، وفيه أربعة مذاهب كما سيأتي معنا.
حِينئذٍ نقول: هذا الذي يُمكِن استثناؤه، وما عداه فكلها ضعيفة، التَّبَعِيَّة، والمُجَاوَرَة، والتَّوَهُّم، نقول: هذه كلها ليست بشيء .. لا يُلْتَفت إليها.
(ارْفَعْ) يعني: يجب رفع المضارع حِينئذٍ (مُضَارِعاً إِذَا يُجَرَّدُ) لم يُقَيِّدْه: مضارعاً تَجرَّدَ عن نون الإناث، ونوني التوكيد المباشرة، اعتماداً على ما سبق، وقد اعْتُرِضَ عليه: أنَّه أطلق المضارع هنا، إذاً: حتى المضارع الذي اتَّصَلَ به نون الإناث فهو مرفوع، لأنَّه قال:
ارْفَعْ مُضَارِعاً إِذَا يُجَرَّدُ ... مِنْ نَاصِبٍ وَجَازِمٍ. . . .
وقد تقول: النِّسْوَة يَقُمْنَ، (يَقُمْنَ) هذا فعل مضارع تَجرَّد عن ناصب وجازم، هل هو مرفوع؟ ليس مرفوعاً، إذاً: يرِد على النَّاظِم أو لا؟ الظَّاهر أنَّه يرِد، لكن نقول: كونه قَيَّدَه في أول الباب، والكتاب آخره وأوله بِمعنَىً واحد، والأحكام واحدة، حِينئذٍ يُقَيَّد آخرُه بِما حَكَم به في الأول، وهناك قَيَّدَه:
وَأَعْرَبُوا مُضَارِعاً إِنْ عَرِيَا ..
كأنَّه قال هنا:
ارْفَعْ مُضَارِعاً إِذَا يُجَرَّدُ
مِنْ نُونِ تَوْكِيدٍ مُبَاشِرٍ وَمِنْ ... مِنْ نَاصِبٍ وَجَازِمٍ. . . إِنْ عَرِيَا
نُونِ إِنَاثٍ .........