وَشَذَّ حَذْفُ أَنْ وَنَصْبٌ فِي سِوَى ... مَا مَرَّ فَاقْبَلْ مِنْهُ ............
من ذلك المنصوب بعد حذف (أَنْ) مَا رَوَى عَدْلٌ، وإذا قال: (رَوَى عَدْلٌ) بِمعنى: أنَّه موقوفٌ على السَّمَاع، وفي القياس عليه خلافٌ، فقد أجاز ذلك الكوفيون.
إذاً: فُهِم منه أنَّ (حَذْفُ أَنْ) ورفع الفعل ليس بشاذ، (وَشَذَّ حَذْفُ أَنْ) (شَذَّ) فعل ماضي، و (حَذْفُ) فاعل وهو مضاف، و (أَنْ) قُصِد لفظه مضافٌ إليه، (وَنَصْبٌ) معطوفٌ على (حَذْفْ)، وسكت عن الرَّفع، لأنَّ الأحوال: إمَّا أن يُحذف (أَنْ) ويبقى الفعل منصوباً، هذا حكم عليه بأنه شاذ، (وَشَذَّ حَذْفُ أَنْ وَنَصْبٌ) سكت عن (حَذْف أَنْ ورفعٌ) هل هو قياسي أو لا .. هل هو جائزٌ أم لا، قبل أن يكون قياسي؟
فُهِم منه: أنَّ (حَذْفَ أَنْ) ورفع الفعل ليس بشاذ، وهو ظاهر كلامه في (التسهيل) وجعل منه: ((وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا)) الروم:٢٤ (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرِيَكُمْ) هذا الأصل، (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرِيَكُمْ) فحذفت (أنْ) ورُفِع الفعل.
إذاً: الذي حَكم عليه بكونه شاذَّاً (حَذْفُ أَنْ) وبقاء النصب، ولذلك قال: (وَشَذَّ حَذْفُ أَنْ وَنَصْبٌ) وسكت عن الرفع، فدلَّ على أنَّه جائز وليس بشاذ، بل نَصَّ في (التسهيل) على أنَّه جائز ومثَّل له بالآية: ((وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا)) الروم:٢٤ فـ (يُرِيكُمُ) صلةٌ لـ (أن) حُذِفت وبقي (يُرِيكُمْ) مرفوعاً وهذا هو القياس، لأنَّ الحرف عاملٌ ضعيف فإذا حُذِف بطل عمله وهو النصب حينئذٍ ارتفع.
وذهب قوم إلى أنَّ (حَذْف أَنْ) مقصورٌ على السَّماع مُطلقاً فلا يرفع ولا ينصب بعد الحذف إلا ما سُمِع، وفائدة الخلاف هنا: لو قيل بأن (أنْ) حُذِفت ورُفِع الفعل، إذا حكمنا بكونها حُذِفت ورفع الفعل، إذا احتجنا إلى سابك للفعل هل نراعي (أنْ) المحذوفة أو لا؟ فمن جوَّز حذف (أنْ) ورفع الفعل ولوحِظَت (أنْ) حينئذٍ صحَّ أنْ يَسبِك الفعل بـ (أنْ) المحذوفة ويكون مصدراً.
إذاً: حذف (أنْ) المصدرية مع إبقاء عملها في غير المواضع العشرة شاذٌّ، وهذا قول جمهور البصريين، وذهب جمهور الكوفيين إلى جواز حذفها وبقاء عملها من غير قيدٍ قياساً على ما ورد من ذلك، لأنَّه ورد في بعض الأبيات لكنَّه شاذ يُسمع ولا يقاس عليه.
وذهب الأخفش إلى جواز الحذف لكن بشرط: أن يرتفع الفعل المضارع فتُقدَّر (أنْ) لسبك الفعل للمصدر إن احتيج لذلك - وهذا جَيِّد - يعني: يجب الرَّفع لا إشكال فيه، لأنَّ (أنْ) لا تعمل وهي محذوفة، لكن لو احتجنا إلى رابط يسبك الفعل المضارع فملاحظة (أنْ) المحذوفة لا إشكال فيه.
(وَشَذَّ حَذْفُ أَنْ وَنَصْبٌ) قلنا: (نَصْبٌ) هذا معطوفٌ على (حَذْف) ولذلك رفعه، (فِي سِوَى مَا مَرَّ) والذي مرَّ عشرة مواضع خمسة في الوجوب .. وجوب الإضمار، وخمسة في الجواز، (فَاقْبَل مِنْهُ) يعني: ما حُذِف (أَنْ) وبقي النصب الذي (رَوَى عَدْلٌ).