الأول: أن يكون الفعلان ماضيين، يعني: فعل الشَّرط ماضٍ، وجواب الشَّرط ماضٍ كذلك، إنْ قام زيدٌ قام عمروٌ، (إنْ) حرف شرط، و (قام) فعل الشَّرط وهو ماضٍ، قام زيدٌ .. قام عمروٌ، (قام) الجواب والجزاء كذلك فعلٌ ماضي، وكلٌ منهما ماضٍ في اللفظ فقط لا في المعنى، لأنَّه كأنَّه قال: إنْ قام سيقوم زيدٌ سيقوم عمروٌ، ويكونان في مَحلِّ جَزمٍ.
ومنه قوله تعالى: ((إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ)) الإسراء:٧ إذاً: جاء في القرآن .. جاء في القرآن الأول ماضي والثاني ماضي، ((وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا)) الإسراء:٨ (عُدْتُمْ عُدْنَا) كلٌ منهما ماضي، إذاً: (مَاضِيَيْنِ) لفظاً لا معنىً.
(أَوْ مُضَارِعَيْنِ) وهو الأصل .. الأصل فيهما أن يكونا مضارعين، لماذا؟ الجزم، هذا من حيث العمل، ومن حيث المعنى؟ أنَّه يدلُّ على المستقبل، إذاً: (أَوْ مُضَارِعَيْنِ) هو الأصل، نَحو: إنْ يقم زيدٌ يقم عمروٌ، (إنْ يقم) يقم هذا فعل الشَّرط وهو فعل مضارع، (يقم عمروٌ) هذا الجواب، فعل مضارع.
((وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ)) البقرة:٢٨٤ (إِنْ تُبْدُوا) هذا فعل الشَّرط، (يُحَاسِبْكُمْ) هذا جواب الشَّرط، كلٌ منهما مضارع، إذاً: اتفقا، وهذا أعلى الدَّرجات.
(تُلْفِيهِمَا أَوْ مُتَخَالِفَيْنِ) دخل تحته صورتان: أن يكون الأول ماضياً والثاني مضارعاً، يعني: فعل الشَّرط يكون ماضياً، وجواب الشَّرط مضارعاً، نَحو: إنْ قام زيدٌ يقم عمروٌ، (قام) فعل ماضي من جهة اللفظ، وأمَّا المعنى فهو مستقبل (يقم عمروٌ) (يقم) هذا لفظاً ومعنىً مستقبل.
ومنه قوله تعالى: ((مَنْ كَانَ)) هود:١٥ (كَانَ) فعل ماضي، وهنا صَرَفَتْه، قلنا: لا يكون الماضي ماضياً لفظاً ومعنى فعل الشَّرط البتَّة، حِينئذٍ جاء هنا: ((مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ)) هود:١٥ (نُوَفِّ) هذا جواب الشَّرط، إذاً: (كَانَ) هنا المراد بها الاستقبال ولم يُرَد بها الماضي، هذا مُتفقٌ عليه: أن يكون الأول ماضياً والثاني مضارعاً، العكس: أن يكون الأول مضارعاً والثاني ماضياً، هذا فيه نزاع كبير، هل يَصِح أو لا؟
وظاهر إطلاق النَّاظِم الصِّحة: (أَوْ مُتَخَالِفَيْنِ) عَمَّا إذا كان الأول ماضياً والثاني مضارعاً أو بالعكس.
أن يكون الأول مضارعاً والثاني ماضياً وهو قليل، وخَصَّه الجمهور بالضَّرورة، يعني: في الشِّعْر خاصَّة، وأمَّا في النَّثر فليس الأمر كذلك، لماذا خَصَّوْه بالضَّرورة؟ قالوا: لأنَّ إعمال الأداة في لفظ الشَّرط، ثُم المجيء بالجواب ماضياً كتهيئة العامل للعمل ثُم قطعه، يعني: إذا كان الأول مضارعاً والثاني ماضياً، أعْمَلْتَ أداة الشَّرط في الأول في اللفظ، ثُم كأنَّك هيئتها لتعمل في الثاني، فتنتقل من إعمالٍ في الظَّاهر إلى إعمال في الظَّاهر .. قَوِيَت، فحِينئذٍ إذا جيء به ماضياً كأنك قطعته بعد التهيئة، هيأته أولاً ثُم قطعته.
ومذهب الفَرَّاء والمُصنِّف جوازه في الاختيار وهو الصَّحيح للحديث الآتي، أنْ يكون الأول مضارعاً والثاني ماضياً:
مَنْ يَكِدْنِي بسَيءٍ كُنْتَ مِنْهُ ... كَالشَّجَا بَيْنَ حَلْقِهِ وَالوَرِيدِ