(وَتَخْلُفُ الْفَاءَ إِذَا الْمُفَاجَأَهْ)، (تَخْلُفُ) هذا فعل مضارع، و (الْفَاءَ) مفعول به، و (إِذَا) قُصِد لفظه فهو فاعلٌ .. فاعل (تَخْلُفُ) وهو مضاف للمفاجأة من إضافة الدَّال إلى المدلول، و (تَخْلُفُ) أي: تَحلُّ مَحلَّها .. تّحلُّ مَحلَّ الفاء، قد لا يؤتى بالفاء، قلنا: الفاء واجبة فيما إذا لم يصلح الجواب لأن يقع جواباً لـ: (إنْ) أو غيرها، حِينئذٍ إذا لَم يؤت بالفاء يؤتى بـ: (إِذَا الْمُفَاجَأَهْ) لكن ليس على إطلاقه .. مطلقاً في كل ما سبق، بل في موضعٍ واحدٍ.
(وَتَخْلُفُ) أي: تَحلُّ مَحلَّها فيُصدَّر بها الجواب الذي لا يصلح جعله شرطاً كما يصدر بالفاء، لأن مثلها في عدم الابتداء بها، يعني: (إِذَا) الفجائيَّة أو المفاجأة مثل الفاء في عدم الابتداء بها، فوجودها يُحصِّل ما يُحصَّل بالفاء من بيان الارتباط، إذاً: الفائدة من (إِذَا) الفجائيَّة هي عين الفائدة من فاء السَّببيَّة، كما أنَّ فاء السببية لا يُبتدأ بها وإنما يؤتى بها من أجل الرَّبط، كذلك (إِذَا) الفجائيَّة لا يبتدأ بها، وسبق أنَّها حرفٌ على الصَّحيح ولا تقع في أول الكلام: جئت فإذا زيدٌ في الدار .. خرجت فإذا الأسد حاضرٌ.
حِينئذٍ نقول: (إِذَا) الفجائيَّة هذه لا تقع في أول الكلام .. لا يبتدأ بها، ما الفائدة منها؟ الرَّبط، حِينئذٍ جيء بها لتؤدِّي ما أدَّته فاء السَّببيَّة.
(وَتَخْلُفُ الْفَاءَ إِذَا الْمُفَاجَأَهْ) إذاً: يجوز أن تغني (إِذَا) الفجائيَّة عن الفاء لكن ليس على إطلاقه بل بشروط:
أولاً: أن تكون أداة الشَّرط هي (إنْ) أو (إِذَا) الشَّرطيَّة، ليس مطلقاً كل أداة، لا بُدَّ أن تكون (إنْ) وهذا أشار إليه النَّاظِم بقوله: (كَـ "إِنْ تَجُدْ) (إِنْ) أتى بالمثال ليُبيِّن لنا الأحكام التي يجوز أن تقترن بـ: (إِذَا) الفجائيَّة.
أولاً: أن تكون أداة الشَّرط هي (إنْ) أو (إِذَا) الشَّرطيَّة غير الجازمة التي قلنا: بعضهم يرى أنها تَجزم في الشِّعْر خاصة:
إِذَا تُصِبْك خَصَاصَةٌ ..
وذلك لأنَّ (إنْ) أمُّ باب الأدوات الجازمة، و (إِذَا) أمُّ أدوات الشَّرط غير الجازمة، عندنا بابان: أدوات شرط جازمة، وأدوات شرط غير جازمة، (إنْ) أمُّ باب أدوات الشَّرط الجازمة، و (إِذَا) أمُّ باب أدوات الشَّرط غير الجازمة، ولذلك استثني من كل واحد رئيس .. زعيم، (إنْ) الشرطية و (إِذَا) غير الشَّرطيَّة.
إذاً: أنْ تكون أداة الشَّرط هي (إنْ) أو (إِذَا) الشَّرطيَّة غير الجازمة.
الثاني: أنْ تكون جملة الجواب اسْميَّة موجبة، إذاً: ليست فعليَّة مُصدَّرة بـ: (قد) أو (ما) أو إلى آخره، وإنَّما تكون اسْميَّة، هنا النَّاظِم قال: (لَنَا مُكَافَأَهْ) (لَنَا) خبر مُقدَّم، و (مُكَافَأَهْ) مبتدأ مُؤخَّر.
إذاً: أنْ تكون جملة الجواب اسْميَّة موجبة، فإن كانت مَنفيَّة لم تقترن بـ: (إِذَا) فلا يجوز: إنْ يقم زيدٌ إذا ما عمروٌ بقائم، (ما عمروٌ بقائم) لا يصح أن تدخل عليها (إِذَا) وإنما تدخل الفاء السابقة.