ترد هذه الأدوات للتَّوبيخ والتنديم، فتختصُّ بالماضي أو ما في تأويله ظاهراً أو مضمراً: ((لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ)) النور:١٣ (لَوْلا جَاءُوا) هذه نقول: للتَّوبيخ والتنديم، ((فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا)) الأحقاف:٢٨ للتنديم كذلك والتوبيخ.
وقد يقع بعد حرف التَّحضيض مبتدأ وخبر، وهذا مخالفٌ للأصل: (وَأَوْلِيَنْهَا الْفِعْلاَ) إذا وقع بعدها مبتدأ وخبر، قلنا: الأصل عدم دخول هذه الأدوات على الجملة الاسْميَّة، لو دخلت على الاسم المفرد قلنا: هذا مُتعلِّق بِمحذوف أو بالمتأخِّر، وأمَّا إذا دخلت على مبتدأ وخبر هنا مُشْكِلة! كيف نصنع؟ قال: نُقدِّر (كان) الشَّأنيَّة بعدها. فيُقدَّر المضمر (كان) الشَّأنيَّة على الأصل: (وَأَوْلِيَنْهَا الْفِعْلاَ) من أجل تعميم هذا الأصل، كقوله:
فَهَلاَّ نَفْسُ لَيْلَى شَفِيعُهَا ..
برفع (شَفِيعُهَا) .. فَهَلاَّ نَفْسُ لَيْلَى (نَفْسُ) مبتدأ وهو مضاف، و (لَيْلَى) مضاف إليه، و (شَفِيعُهَا) هذا خبر المبتدأ، أي: فهلَّا كان نفس ليلى شفيعها؟ نقول: هنا قَدَّرنا (كان) الشَّأنيَّة، ما معنى (كان) الشَّأنيَّة؟ هلاَّ كانه نفس ليلى شفيعها، إذاً: اسم (كان) محذوف، وهنا لم ننصب (شَفيعَها) لو كان (شَفيعَها) قلنا: (كان) ناقصة محذوفة وإنَّما رُفع، فإذا رُفِع حِينئذٍ نقول: لا يمكن أن يكون (شَفيعَها) خبراً لـ: (كان) فيتعين أنْ نَجعل اسم (كان) ضمير الشَّأن وهو محذوف واجب الحذف، والجملة الاسْميَّة المذكورة في مَحلِّ نصب خبر (كان).
ثُم قال رحمه الله: (الإِخْبَارُ بِالَّذِي وَالأَلِفِ وَاللاَّمِ).
هذا الباب ليس من باب النَّحو في شيء لا من قريب ولا من بعيد، وإنَّما هو بابٌ وضعه النُّحاة .. موضوع، ولذلك لا يذكر في المختصرات وإنَّما يذكر في المطولات، وله خلاصة وزبدة وله توسُّع وتكلُّف، خلاصته ما ذكره النَّاظم هنا والشَّارح، ولذلك ذَكَر الأشْمُوني أنَّه طويل الذَّيل، يعني: له فروع كثيرة جداً، لأنَّه يَتعلَّق بالنَّحو كله من أوله إلى آخره.
عند الصَّرفيين باب يُسمَّى باب التَّمرينات، يعني: تتعلم القواعد في آخر باب الصرف .. (الشافيَّة) وغيرها: باب التمارين، يأتيك يقول لك: ائت بهذه اللفظة على وزن كذا، حِينئذٍ تأتي تُمطط الكلمة .. ما سُمِعت! تمططها من أجل أنْ تأتي على هذا الوزن، ثُم تَمر عليك عِلل وإعلالات، وإبدالات وحذف إلى آخره، وقلب الهمزة واو، والواو همزة، كلها تأتي بها، وهذا لا يكون إلا لمن استحضر القواعد، حِينئذٍ يَتعلَّم مُمارسة القواعد على هذا الباب، هذا مثله:
(بَابُ: الإِخْبَارُ بِالَّذِي وَالأَلِفِ وَاللاَّمِ) يعني: الموصولة، إنَّما وضعه النُّحاة لامتحان الطَّالب وتدريبه، يعني: من أجل أن يُطبِّق القواعد، لأنَّه يدخل في باب المبتدأ والخبر، وفي باب النواسخ، والفاعل، والاشتغال، والتمييز، والحال .. جميع الأبواب السابقة، داخلة هنا .. الأحكام كلها داخلة هنا، تتعلَّم أصل المسألة ثُم تطبِّق فيما يأتيك.