مُميِّز الثلاثة والعشرة وما بينهما، إنْ نظرنا إلى التمييز كما سيأتي قد يكون اسم جنس، حِينئذٍ لا يُنْظر إليه باعتبار التاء وعدمه، لأنَّه في الغالب يُجرُّ بـ: (من) وكقوله مثلًا: ((فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ)) البقرة:٢٦٠ (الطَّيْرِ) هذا هو المُميِّز، وحِينئذٍ إذا جُرَّ بـ: (من) فالأصل أن يكون اللفظ على أصله.
ولذلك سيأتي أنَّ ألفاظ العدد قد تستعمل ويراد بها اللفظ من حيث هو لفظ، ويكاد يكون إجماع، حِينئذٍ أنْ يُستعمل بالتاء إذا أصلها كذلك، فيقال: الثلاثة نصف الستة، هنا لا يجوز أنْ يُقال: بدون التاء، لماذا؟ لأنَّنا قصدنا العدد نفسه دون المعدود .. ليس عندنا معدود: الثلاثة نصف الستة.
ولذلك حكا ابن مالك أنَّه في هذا الموضع يكون ممنوعًا من الصَّرْف، لأنَّ المراد به علم جنس.
ثَلاَثَةً بِالتَّاءِ قُلْ لِلْعَشَرَهْ
فِي الضِّدِّ جَرِّدْ .......... ... فِي عَدِّ مَا آحَادُهُ مُذَكَّرَهْ
إذًا قوله: (ثَلاَثَةً لِلْعَشَرَهْ) خرج واحد واثنان، لأنَّه بدأ العد من الثلاثة، حِينئذٍ ليس لهما هذا الحكم الذي رتَّبه على الثلاثة إلى العشرة، فخرج واحد واثنان، وواحدةٌ واثنتان، فهي جاريةٌ على القياس، فتخالف الثلاثة والعشرة وما بينهما في هذا الحكم كما ذكرناه.
وتخالفهما أيضًا في أنَّها لا تضاف إلى المعدود، بل ليس لها تمييز يضاف إليه، لأنَّ الثلاثة إلى العشرة التمييز يكون مجرورًا: (وَالْمُمَيِّزَ اجْرُرِ) وأمَّا الواحد والاثنان، والواحدة والاثنتان ليس لهما تمييزٌ تضاف إلى المعدود، فلا يُقال: واحد رجلٍ، ولا اثنا رجلين، لأنَّ قولك: (رجل) يفيد الجنسيَّة والوحدة، وقولك: (رجلين) يفيد الجنسيَّة وشفع الواحد فلا حاجة إلى الجمع بينهما كما ذكرناه سابقًا.
ثَلاَثَةً بِالتَّاءِ قُلْ لِلْعَشَرَهْ ... فِي عَدِّ مَا آحَادُهُ. . . .
(مَا آحَادُهُ) هنا ماذا نفهم منه؟ أنَّه إذا أضيف إلى الجمع من الثلاثة إلى العشرة - وهو جمع كما سينصُّ عليه - يكون النَّظر فيه إلى الواحد، ولا ينظر فيه إلى اللفظ نفسه، ولذلك قيل: فُهِم منه أنَّ المعتبَر تذكير الواحد وتأنيثه لا تذكير الجمع وتأنيثه، وعلى رأي الزَّمَخْشَري: أنَّ كل جمعٍ مؤنَّث، فـ: (رجال) من حيث الجمع مؤنَّث، حِينئذٍ نقول: ثَلاثُ رجالٍ، ولا نقول: ثلاثة رجال لو اعتبرنا الجمع، وإنَّما نَعتبِر الواحد، وهذا ما نَصَّ عليه هنا: (آحَادُهُ).
إذًا: النَّظر يكون فيه إلى الواحد لا إلى الجمع، لأننا لو اعتبرنا الجمع حِينئذٍ الجمع قد يكون حقيقيًا وقد يكون مجازيًا يراعى فيه التأنيث مطلقًا، (كل جمعٍ مؤنَّث) هكذا قال الزَّمَخْشَري، فإذا كان كل جمعٍ مؤنَّث: (وَالْمُمَيِّزَ اجْرُرِ جَمْعَاً) من ثلاثة إلى عشرة.
إذًا: كل مُميِّز للعدد من الثلاثة إلى العشرة يكون جمعًا، إذًا: لا يمكن أن تَخلُ التاء من الثلاثة إلى العشرة، وهذا ليس الأمر كذلك.
إذًا قوله: (مَا آحَادُهُ) فهم منه: أنَّ المعتبر تذكير الواحد وتأنيثه، لا تذكير الجمع وتأنيثه، فيقال: ثلاثة حمامات، كما يُقال: ثلاثة رجال، فالنَّظر للواحد.