قيل: ليس (صُفِي) مِمَّا أغنى فيه جمع الكثرة عن جمع القِلَّة، حكا الجوهري وغيره: صُفَاتٌ وأَصْفَاء، (أصفاء) على وزن (أفعال) إذاً سُمِع له كثرة وَسُمِع له قِلَّة، إذاً: المثال هذا فيه نظر على قول الجوهري، وقيل: أصفاء في غاية النُّدور، فكأنه لم يُوضع، وإذا كان كذلك فمثال النَّاظم صحيح.
إذاً: (الصُّفِي) هل له جمع قِلَّة أو لا؟ سُمِع (أصفاء) وهو مسموع حكاه الجوهري، إذا كان كذلك حينئذٍ ليس مِمَّا استغني فيه بجمع الكثرة عن جمع القِلَّة.
إذاً: (وَبَعْضُ ذِي) الموزونات الأربعة السابقة (يَفِي بِكَثْرَةٍ) يعني: يدلُّ في الكلام على الكثرة، (وَضْعاً) من جهة الواضع، بأنَّه وضع لفظاً واحداً يدلُّ على القلَّة وعلى الكثرة، (كَأَرْجُلٍ)، (وَالْعَكْسُ) الذي هو الاستغناء ببناء الكثرة عن بناء القِلَّة، (جَاءَ) وضعاً كذلك، (كَالصُّفِي) وذلك كَالصُّفِي، (كَالصُّفِي) مُتعلِّق بمحذوف خبر مبتدأ محذوف، (كَالصُّفِي) مأخوذٌ من الصفات وهي الصخرة الملساء.
قال الشَّارح هنا: قد يُستغنى ببعض أبنية القِلَّة عن بعض أبنية الكثرة، كـ: رِجْل وَأَرْجُل، وَعُنُقْ وَأَعْنَاق، وفؤاد وأفئدة، وقد يستغنى ببعض أبنية الكثرة عن بعض أبنية القِلَّة كـ: رَجُل وَرِجَال، (رِجَال) هذا جمع كثرة، ليس واحداً من الأربعة، لو قلت: عندي رجال، نحمله على أي شيء: ثلاثة، أو عشرة، أو أحد عشر؟ وُضِع (رِجَال) ولم يوضع له قِلَّة، حينئذٍ يستويان مبدأً، الاختلاف فيما وُضِع لكلٍّ منهما جمعاً .. جمع قِلَّة وجمع كثرة، إذا سُمِع فيه الجمعان تأتي بالفرق، وأمَّا إذا لم يُسْمع إلا جمعٌ واحد حينئذٍ يُستعمل الكثرة في القِلَّة، والقِلَّة في الكثرة.
إذاً: رِجَال وَرَجُل، (رِجَال) هذا جمع كثرة يدلُّ على القِلَّة، كذلك: قَلْب .. قُلوب، وَصُرَد وَصُرْدَان، وصفات وصفي، كما يغني أحدهما عن الآخر وضعاً كذلك يغني عنه أيضاً استعمالاً لقرينةٍ مجازاً، نحو: ((ثَلاثَةَ قُرُوءٍ)) البقرة:٢٢٨ والقرينة هي إضافة ثلاثة إليه، سبق هذا: قروء، هنا اسْتُعْمل مراداً به الأقراء وهو الثلاثة، قلنا: عَدَل عن الأقراء إلى جمع الكثرة لكونه شاذًّاً، (أقراء) شاذ جمع: قرءٍ، على وزن (فَعْل) هذا شاذ، حينئذٍ عُدِل عن جمع القِلَّة إلى جمع الكثرة، مع كون الأصل في الثلاثة إلى العشرة أن يضاف إلى جمع تكسيرٍ بلفظ قِلَّة.
حينئذٍ هنا أضيف إلى جمع كثرة لِعلَّةٍ، فاسْتُعْمل هنا وضعاً .. لا من حيث الوضع، لأنَّه وضع (أقراء) ووضع (قروء)، (أقراء): من الثلاث إلى العشرة، و (قروء): من الأحد عشر إلى ما لا نهاية، اسْتُعمل (قروء) كثرة في الدَّلالة على ما دلَّ عليه (أقراء) هل هو من قبيل الوضع أو الاستعمال؟ الثاني .. من حيث الاستعمال.
ثُمَّ شرع في بيان محل هذه الأوزان الأربعة، يعني: متى نقول أنَّ هذا المفرد يُجمع على وزن (أَفْعِلَةٌ)؟ بضوابط، ليس كل مفردٍ يُجمع على وزن (أَفْعِلَة)، وليس كل مفردٍ يُجمع على وزن (أَفْعُل) أو (فِعْلَهْ) .. (فِعْلَهْ) قلنا: هذا سَماعي، أو (أَفْعَال)، إنما ثَمَّ ضوابط سيذكرها النَّاظم تباعاً.