بالألف على كلاهما، هذا راعى فيه ماذا؟ راعى فيه المعنى، فأتى بألف الاثنين: قد أقلعا، ثم قال: وكلا أنفيهما رابي، رابي: واحد، ولم يقل: رابيان، راعى فيه اللفظ ولم يراع فيه المعنى، إلا أن اعتبار اللفظ أكثر من اعتبار المعنى، يعني: عَوُدُ الضمير للفظ مفرداً أكثر من عَوُدِه على المعنى مثنى هذا أكثر، ولذلك جاء في القرآن: ((كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ)) الكهف:٣٣ (كلتا) (آتت) راعى ماذا؟ اللفظ، لو راعى المعنى لقال: آتتا، أليس كذلك؟ لو راعى المعنى لأتى بألف الاثنين، الدال على التثنية، ولكن قال: (آتت) واحدة، ((كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا)) الكهف:٣٣ ولم يقل: آتتا، فلما كان لـ (كلا) و (كلتا) حظ من الإفراد وحظ من التثنية أُجْرِيَ في إعرابهما مُجْرَى المفرد تارة ومُجْرَى المثنى تارةً، يعني: أُعطي الإعراب الأصلي بالحركات، وأُعطي الإعراب الفرعي.
فلما أضيفا إلى الضمير، قلنا: هما معربان إعراب المثنى مراعاةً للمعنى، ولما أُضيفا إلى الاسم الظاهر، قلنا: أُعربا إعراب المقصور اعتباراً بالأصل، أليس كذلك؟ لأن الإضافة إلى الضمير هذه فرع، والإضافة إلى الظاهر هذه أصل؛ لأن الأصل في الاسم أن يكون ظاهراً، والضمير فرع، والإعراب بالحروف فرع، والإعراب بالحركات أصلٌ، هنا ماذا حصل؟ الذي أُضيف إلى الأصل الظاهر أُعطي ماذا؟ الإعراب الأصلي وهو بالحركات المقدرة، والذي أُضيف إلى الفرع وهو الضمير أُعطي الإعراب الفرعي وهو: بِالأَلِفِ ارْفَعِ الْمُثَنَّى.
إذاً: سلوكاً مسلك التناسب رُوعي فيه اللفظ تارة ورُوعي فيه المعنى تارةً أخرى.
ولما كانا (كلا) و (كلتا) في الأغلب إذا أُضيفا إلى ضميرٍ كانا تابعين للمثنى تأكيداً له، ثم اطرد ذلك فيما إذا أُضيفا إلى ضمير متكلم أو مخاطب، ولذلك الضمائر ثلاث هنا: يقال: (كلاكما) أو (كلانا) أو (كلاهما) هكذا نص الرضي، (كلاهما) جاء الزيدان كلاهما، وتقول: (كلاكما) أو (كلانا) بالإضافة إلى: (نا) ويمتنع (كلاكم) بميم الجمع، هذا ممتنع، لماذا؟ لوجود التعارض؛ لأن (كلا) يدل على اثنين، وهم: (كلاكم) نقول: هذا يدل على الجمع.
ثم قال رحمه الله تعالى:
وَارْفَعْ بِوَاوٍ وَبِيَا اجْرُرْ وانْصِبِ ... سَالِمَ جَمْعِ عَامِرٍ وَمُذْنِبِ
هذا هو الباب الثالث من أبواب النيابة مما ينوب فيه حرفٌ عن حركة، قلنا: الاسم .. أبواب النيابة: إما أن ينوب حرفٌ عن حركة، أو حركة عن حركة.
حرفٌ عن حركة: هذا محصور في ثلاثة أبواب: في باب الأسماء الستة، والمثنى، وجمع المذكر السالم.
وحركة عن حركة: هذا جمع المؤنث السالم، والممنوع من الصرف في حالة الجر.
هنا قال:
وَارْفَعْ بِوَاوٍ: هذا شروع منه في بيان جمع المذكر السالم.
المذكر: هذا وصف لمفرد محذوف، جمع المفرد المذكر هذا الأصل، لماذا؟ جمع المذكر؛ لأن المذكر من التذكير، والتذكير هذا معنىً يقابل التأنيث، والمعاني لا تجمع، إنما الذي يجمع ماذا؟ الألفاظ، حينئذٍ يتعين أن نقدر موصوفاً محذوفاً: جمع المذكر، أي: جمع المفرد المذكر.