إذاً (شِبْهُهُ) يعني: شبه الحرف، وما الذي أشبه الحرف؟ الأسماء المبنية والأفعال الجامدة، كَنَّى ابن مالك هنا رحمه الله عن الفعل الجامد والاسم المبني بكونه شبيهاً بالحرف، ووجه الشَّبَه في الجمود وعدم التَّصرُّف، فأراد بقوله: (شِبْهُهُ) يعني ما أشبه الحرف في التَّوغُّل في البناء، وأراد به الأسماء المبنية والأفعال الجامدة، لأنَّها غير قابلة للتَّصرف والتَّبدُّل ونحو ذلك.
حَرْفٌ وَشِبْهُهُ مِنَ الصَّرْف بَرِي ..
بريء من الصَّرف .. برءِ من الصرف، البراءة .. براءة الذِّمة التَّخلُّص والبعد عن الشيء، فالحرف وشبه الحرف بريء من الصَّرف، (بَرِي) بدون همز، أصله: بريء (فَعِيل) فخَفَّفه بحذف الهمزة، أي: تباعد وتَخلَّى عنه، البراءة المراد بها: التَّباعد والتَّخلي عن الشيء والخلوص منه.
إذاً: الحرف بريءٌ من الصَّرف يعني: بعيدٌ عنه، وَمُتَخَلٍّ عنه، وخالصٌ منه، وكذلك ما كان شبيهاً بالحرف فهو بريءٌ من الصَّرف.
قوله: (من الصَّرْف) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (بَرِي)، (بَرِي) (فَعِيل) وهو خبرٌ عن المبتدأ وهو حرفٌ وما عُطِف عليه.
وجاز لكون (بَرِي) مِمَّا يُخْبَر به عن الواحد والمُتعدِّد، لأنَّه (فَعِيل): ((وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ)) التحريم:٤ وهذا مثله: بِرِيءٌ .. فِعِيلٌ، حُذِفت الهمزة تخفيفاً.
(وَما سِوَاهُمَا) (وَما) اسم موصول بِمعنى: الذي وهو مبتدأ، (سِوَاهُمَا) (سِوَى) ظرف مُتعلِّق بمحذوف صلة الموصول، والجملة لا مَحلَّ لها من الإعراب، (سِوَاهُمَا) يعني: سوى هذين من الأسماء والأفعال (حَرِيٌّ بِتَصْرِيفٍ) (حَرِي) يعني: حقيقٌ وجديرٌ بدخول التَّصريف فيه.
وأراد بقوله: (سِوَاهُمَا) سوى هذين اللذين هما الحرف وشبه الحرف، (سِوَاهُمَا) الأفعال المتصرفة والأسماء المُتمكِّنَة، لأنَّه قال: (وَما سِوَاهُمَا) سوى الحرف وشبه الحرف، وهما الأفعال المتصرفة والأسماء المُتمكِّنَة.
إذاً بقوله: (حَرْفٌ وَشِبْهُهُ) أخرج الأفعال الجامدة والأسماء غير المُتمكِّنَة المبْنِيَّة، بقوله: (وَما سِوَاهُمَا) أدخل الأفعال المُتصرِّفة والأسماء المُتمكِّنَة، (بِتَصْرِيفٍ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (حَرِي)، قلنا: (ما) مبتدأ، و (حَرِي) يعني: جدير .. حقيقٌ، هذا خبر (مَا) الذي هو (مَا سِوَاهُمَا).
وَما سِوَاهُمَا بِتَصْرِيفٍ حَرِي .. حريٌّ بتصريف.
إذاً: أفادنا بهذا البيت: أنَّ مَحلَّ الصَّرف والتَّصريف، المكودي يقول: " تَجَوَّز بالتَّعبير هنا بالتَّصريف عن الصَّرف " وهذا بناءً على التَّفريق بين التَّصريف والصَّرف، ولكن عند المتأخرين كلاهما بمعنى واحد، عند المتقدمين الصَّرف المراد به: الفن، وأمَّا التَّصريف: فهو التَّمارين التي تُلْحَق بالباب مثل: باب الحكاية السَّابق، أو الإخبار بالذي وفروعه، قلنا هناك: هذا الباب للتَّمارين فقط.