وَغَيْرُ مَاضٍ مِثْلَهُ قَدْ عَمِلاَ
متى؟ قيده هل كل الأفعال لها مضارع أو متصرفة؟ لا، إنْ كانَ غَيْرُ الْمَاضِ مِنْهُ اسْتُعْمِلاَ، فالمرد حينئذٍ السماع ليس المسألة اجتهادية، فكل ما ورد من تصرف تلك الأفعال عمل عمل الماضي، فإن لم يكن له إلا ماضي مالنا حيلة فيه يبقى على مضيه، إذا لم يرد إلا الماضي لا يمكن أن نقول غير ماض مثله قد عملا، ليس له غير ماض، فالماضي حينئذٍ يكون هو خاصاً به، فنقدر هناك صيغته مثل ليس.
إنْ كانَ غَيْرُ الْمَاضِ مِنْهُ اسْتُعْمِلاَ (مِنْهُ) هذا متعلق بقوله استعملا، والألف للإطلاق، يعني ما تصرف من هذه الأفعال يعمل غير الماضي منه عمل الماضي.
جميع هذه الأفعال تتصرف، هذا الأصل فيها؛ لأن الأصل في الفعل أنه متصرف، هذا الأصل فيه، وغير التصرف هذا خارج عن القياس، فجميع هذه الأفعال تتصرف فيأتي منها المضارع والأمر والمصدر والوصف إلا ليس، وهذا مجمع عليه في (ليس).
إلا ليس فمجمع على عدم تصرفها، وأما دام فنص كثير من المتأخرين على أنها لا تتصرف، (ليس) مجمع على أنها ملازمة للماضي، إذاً ليس لها غير الماضي، ليست داخلة في قوله: وَغَيْرُ مَاضٍ مِثْلَهُ قَدْ عَمِلاَ، وأما (دام) فأكثر المتأخرين على أنها لا تتصرف، وجزم به ابن مالك رحمه الله تعالى على أنها لا تتصرف.
قال أبو حيان: وما ذكر من عدم تصرفها لم يذكره البصريون، ولتصاريف هذه الأفعال من العمل والشروط ما للماضي منها، وكذا سائر الأفعال، يعني إذا قيل: وَغَيْرُ مَاضٍ مِثْلَهُ قَدْ عَمِلاَ، وقد اشترطنا شروطاً في بعضها نقول: الشروط تلك ليست خاصة بالفعل الماضي، بل كل ما تصرف من الماضي فالشرط لازم له (إنْ كانَ غَيْرُ الْمَاضِ مِنْهُ اسْتُعْمِلاَ).
قال الشارح: هذه الأفعال على قسمين: أحدهما: ما يتصرف، والتصرف المراد به أنه يأتي منه ماضي ومضارع وأمر، وهذا التصرف قسمان، قد يكون تصرفاً تاماً بأن سمع منه المضارع والأمر والمصدر، وقد يكون تصرفاً ناقصاً، بأن لم يسمع منه إلا المضارع فحسب.
أحدهما: ما يتصرف، وهو ما عدا ليس ودام.
وهذا القسم -ما يتصرف قسمان-: ما يتصرف تصرفاً ناقصاً وهو (زال) وأخواتها فإنه لا يستعمل منها الأمر ولا المصدر، زال ليس عندنا زل، زال وانفك وفتئ وبرح، هذه ليست لها أمر ولا مصدر، حينئذٍ تصرفها ناقص ليس بتام.
الثاني ما يتصرف تصرفاً تاماً وهو باقيها.
قال: والثاني: ما لا يتصرف بحال، وهو (ليس) باتفاق، و (دام) عند المتأخرين، ويصححونه يقولون: على الصحيح، وقيل لها: مضارع دام، وهو يدوم، فهي متصرفة إذا ثبت أن لها مضارعاً، قد أثبته بعضهم.
حينئذٍ هي متصرفة تصرفاً ناقصاً، والصحيح أن لها مصدراً أيضاً كما سبق، مدة دوامي حياً ((مَا دُمْتُ حَيًّا)) مريم:٣١ اشترطنا كون (ما) المصدرية حينئذٍ لزم أن يكون ما بعد له مصدر، إن قلنا ليس لها مصدر فحينئذٍ ليست (ما) مصدرية، وهذا باطل، حينئذٍ لا بد أن يكون لها مصدر، والقول بالاستعارة هذا قول لا يلتفت إليه، أنه استعير لها من أجل أن يقيم مصدر (دام) التامة مقام (دام) الناقصة فهذا لا يعول عليه.