إذاً (لا) التي لنفي الجنس المراد بها (لا) التي هي نافية لحكم الخبر عن الجنس، وذلك إنما يكون إذا قصد بـ (لا) نفي الجنس على سبيل الاستغراق، اختصت بالاسم حينئذٍ؛ لأن قصد الاستغراق على سبيل التنصيص يستلزم وجود (من) لفظاً أو تقديراً، ولا يليق ذلك إلا بالنكرات، ولذلك اشترط أن يكون اسمها مدخوله نكرة؛ لأن أصل التركيب لا من رجل في الدار، هذا الأصل، إذا نطق بمن عند الأصوليين هناك النكرة إذا سبقت بمن صارت نصاً في العموم.
لا رجلَ ليس فيه من، حتى نقول: نص في العموم، حينئذٍ نقول: أصل التركيب هو جود من لفظاً أو تقديراً، لفظاً خرجت عن باب (لا) التي لنفي الجنس، ومثله ((هَلْ مِنْ خَالِقٍ)) فاطر:٣ خَالِقٍ قلنا دخلت عليه من الزائدة، فحينئذٍ نقول: هذه من دلت على التنصيص في العموم، بمعنى أنه لا يحتمل التخصيص البتة، هذه من قد تكون ملفوظاً بها وقد تكون مقدرة، في باب (لا) التي لنفي الجنس تعتبر مقدرة، ولذلك سمع شذوذاً النطق بها مصرحاً، ويحفظ ولا يقاس عليه، يعني تنبيهاً على أصل مهجور كما ذكرناه
فَقَامَ يَذُودُ النَّا سَ عَنهَا بسَيفِهِ ... وقالَ: ألاَ لاَ مِن سَبيلٍ إلى هِندِ
ألاَ لاَ مِن سَبيلٍ .. لا سبيل إلى هند، هذا الأصل لا سبيل، لكن قال: لاَ مِن سَبيلٍ إلى هِندِ.
هذا قياس أو شاذ؟ هذا يعتبر شذوذ؛ لأن النطق بمن المضمنة في اسم، أو (لا) التي لنفي الجنس نقول: التصريح به يعتبر شاذاً، ولذلك استفيد الاستغراق بتضمن هذا التركيب من الاستغراقية، فصُرح هنا بمن ضرورة.
عَمَلَ إِنَّ اجْعَلْ لِلاَ فِي نَكِرَهْ ... مُفْرَدَةً ................
ما هو إعراب مُفْرَدَةً؟
حال من فاعل جَاءَتْكَ، جاءتك حال كونها مفردة، يعني غير مكررة، لا رجلَ في الدار، لا غلام رجل قائم، أَوْ مُكَرَّرَهْ: (لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ الاّ باللهِ)، إذا لم تعمل لا إما لأجل الفصل أو لكون مدخولها معرفة، فمذهب سيبويه والجمهور لزوم تكرارها، لكن لا يلزم العمل بل هو جائز.
إذاً مُفْرَدَةً العمل يكون واجباً، ومُكَرَّرَهْ يكون العمل جائزاً.
قال ابن عقيل: ولا يكون اسمها وخبرها إلا نكرة، فلا تعمل في المعرفة، لماذا؟ لأننا قلنا إن هذا اللفظ (لا) يستفاد منه الاستغراق، والاستغراق إنما يكون على تضمن (من) الاستغراقية، ومن الاستغراقية لا تدخل إلا على النكرات، فيمتنع حينئذٍ أن يكون اسم (لا) معرفة، لذلك اشترط أن يكون اسمها نكرة: عَمَلَ إِنَّ اجْعَلْ لِلاَ فِي نَكِرَهْ، أما معرفة لا، لا تكون نافية للجنس، وما ورد من ذلك مؤول بنكرة.
إذا جاء في لسان العرب لا نقول: يجوز أن يكون معرفة بل لا، نقول هذا مما يؤول: " قَضِيَّةٌ ولاَ أبَا حَسَنٍ لَهَا"، نقول هذا الأولى أن يؤول بماذا؟ ولا مثل أبي حسن لها، ومثل هذه كلمة متوغلة في الإبهام لا تتعرف بالإضافة.
أو يجعل أبَا حَسَنٍ عبارة عن اسم جنس وكأنه قد قيل ولا فيصل لها، وهذا مثل تأويلهم في باب الاستعارة نحو: حَاتمٌ بالمُتَنَاهِي فِي الجُود.