وَبَعْدَ فِعْلٍ فَاعِلٌ: إذاً فهم منه أن الفعل لا بد له من فاعل، وفُهم من قوله: بَعْدَ، الترتيب -أن الفاعل لا يكون إلا بعد الفعل-، وسيأتي أن بعض الأفعال قد لا تحتاج إلى فاعل، استثناء، بعض الأفعال قد لا تحتاج إلى فاعل من الفعل المؤكِّد، لو قلت: قام قام زيد، يجوز هذا، (أَتَاَكَ أَتَاكِ اللاَّحِقُونَ احْبِسِ احْبِسِ)، أَتَاَكَ أَتَاكِ اللاَّحِقُونَ، قام قام زيد، قام: فعل ماض، وقام الثاني مؤكِّد، وزيد فاعل للأول، الثاني قام هل له فاعل؟ ليس له فاعل.
كذلك بعض الأفعال التي اتصلت بها ما الكافة "قَلَّ" و "طالَ" و "كثُر" .. قَلَّمَا وكَثُرَ مَا وطَالَمَا هذه أفعال ليس لها فاعل على المشهور عند النحاة، لأن (ما) هذه كافة كفتها عن طلب الفاعل، وقيل: بل (ما) هذه مصدرية، وحينئذٍ تؤول مع ما بعدها فيكون فاعل، وهذا أقيس.
وَبَعْدَ فِعْلٍ فَاعلٌ: وكذلك المحذوف، -الفاعل المحذوف- للتخلص من التقاء الساكنين، نقول: الفعل ليس له فاعل باعتبار النطق، وإن كان المحذوف لعلة كالثابت عند النحاة، لكن من حيث الشيء المحسوس .. وقد سبق أن الجملة قد ينظر إليها من جهة الحس، يعني ما يلفظ به، وحينئذٍ قد يحذف بعض أنواع الفاعل، ومنها: ((لَتُبْلَوُنَّ)) آل عمران:١٨٦ مثلاً، الواو حذفت، إذا أُكِّد الفعل المسند إلى ألف الاثنين أو واو الجماعة أو ياء المؤنثة المخاطبة، وحينئذٍ يحصل التقاء ساكنين ويحذف الفاعل، ولذلك يقال: اتَّقُوا اللَّهَ، اتقوا أنتم الله، هذا نقول: ضمير مستتر.
نريد أن نأتي بواو ساكنة بعدها ساكن حتى يحذف من أجل التخلص من التقاء الساكنين، مثل: أبو العباس، أبو العباس قلنا: الواو هذه محذوفة، سمعوا القول، الناس سمعوا القول، سمعوا: الواو هذه فاعل، وحينئذٍ التقى الساكنان وحذفت في النطق، والمحذوف للتخلص من التقاء الساكنين هذا محذوف لعلة وحينئذٍ يكون كالثابت، لكن هذا يذكر في مثل هذه المواضع، ما حذف –الفاعل- للتخلص من التقاء الساكنين سواء كان لوجود النون، نون التوكيد الثقيلة كما في: "تَرَيِنَّ"، "لَتُبْلَوُنَّ"، أو: الناس سمعوا كذا، حينئذٍ نقول: التقى الساكنان.
وَبَعْدَ فِعْلٍ فَاعلٌ فَإنْ ظَهَرْ ... فَهْوَ
فَإنْ ظَهَرْ فَهْوَ: هنا حصل اتحاد في الظاهر اللفظي بين الشرط ومشروطه، والأصل التخالف.
فَإنْ ظَهَرْ: الفاعل فهو الفاعل، إذاً: جواب الشرط ما الذي فيه جديد؟
فَإنْ ظَهَرْ: يعني بدأ ونطق به الفاعل فهو الفاعل، إذا ظهر الفاعل فهو الفاعل قطعاً، لا بد من تخالف جواب الشرط مع الشرط، فذهب الشراح إلى مسلكين، إما أن نقول: فإن ظهر أي: وجد في اللفظ فهو ذاك، وهذا تقدير الأشموني وهو جيد.
والمكودي ذهب إلى قوله: فإن ظهر ما هو فاعل في المعنى فهو الفاعل في الاصطلاح.
فَإنْ ظَهَرْ يعني: في التركيب، ما هو فاعل في المعنى فهو فاعل في الاصطلاح.