ب - في قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ} (١)، قال الجِبْلي (٢): "فإنْ قيل: "بَيْنَ" لا يقعُ إلّا لاثنَيْن فصاعدًا، فكيف جاء "بَيْنَهُ"؟ فالجوابُ: أنّ "بَيْنَهُ" هاهنا لجماعة السَّحاب، كما تقول: الشجر حَسَنٌ وقد جلستُ بينَه. وفيه جوابٌ آخَر، وهو: أن يكونَ السّحابُ واحدًا، فجاز أن يقال: "بَيْنَهُ"؛ لأنه مشتملٌ على قِطَعٍ كثيرة، كما قال الشاعر:
بَيْنَ الدَّخُولِ فحَوْمَلِ
فأوقع "بَيْنًا" على الدَّخُولِ -وهو واحدٌ- لاشتماله على مواضعَ، هذا قولُ النَّحْويِّين إلّا الأصمعيَّ، فإنه زَعَم أن هذا لا يجوز، وكان يرويه:
. . . . . . . بَيْنَ الدَّخُولِ وحَوْمَلِ
جـ - وفي قوله تعالى: {كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ} (٣)، قال الجِبْلي (٤): "قرأ أهل المدينة والشّام وأيوبُ بفتح الفاء؛ أي: مُنَفَّرةٌ مذعُورةٌ، وقرأ الآخَرون بالكسر؛ أي: نافِرةٌ، يقال: نَفَرَتْ واسْتَنْفَرَتْ بِمَعْنًى واحِدٍ، وأنشد الفَرّاءُ:
أَمْسِكْ حِمارَكَ إنَّهُ مُسْتَنْفَرٌ... فِي إِثْرِ أَحْمِرةٍ عَمَدْنَ لِقُرَّبِ
والقَرَبُ: طَلَبُ الماءِ، والقارِبُ: هو الطّالِبُ، ويروى:
فِي إِثْرِ أَحْمِرةٍ عَمَدْنَ لِغُرَّبِ
(١) النور ٤٣.
(٢) البستان ١/ ٣٤٥.
(٣) المدثر ٥٠.
(٤) البستان ٤/ ١٦٠.