لَيْسَ لجبريل وَلَا لمُحَمد فِيهِ إِلَّا التَّبْلِيغ وَالْأَدَاء كَمَا أَن المعلمين لَهُ فِي هَذَا الزَّمَان والتاليين لَهُ فِي الصَّلَاة أَو خَارج الصَّلَاة لَيْسَ لَهُم فِيهِ إِلَّا ذَلِك لم يحدثوا شَيْئا من حُرُوفه وَلَا مَعَانِيه قَالَ الله تَعَالَى {فَإِذا قَرَأت الْقُرْآن فاستعذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم} إِلَى قَوْله {وَإِذا بدلنا آيَة مَكَان آيَة وَالله أعلم بِمَا ينزل قَالُوا إِنَّمَا أَنْت مفتر بل أَكْثَرهم لَا يعلمُونَ قل نزله روح الْقُدس من رَبك بِالْحَقِّ ليثبت الَّذين آمنُوا وَهدى وبشرى للْمُسلمين وَلَقَد نعلم أَنهم يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعلمهُ بشر لِسَان الَّذِي يلحدون إِلَيْهِ أعجمي وَهَذَا لِسَان عَرَبِيّ مُبين}
كَانَ بعض الْمُشْركين يزْعم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تعلمه من بعض الْأَعَاجِم الَّذين بِمَكَّة إِمَّا عبد بن الْحَضْرَمِيّ وَإِمَّا غَيره كَمَا ذكر ذَلِك الْمُفَسّرين فَقَالَ تَعَالَى {لِسَان الَّذِي يلحدون إِلَيْهِ} أَي يضيفون إِلَيْهِ التَّعْلِيم لِسَان {أعجمي وَهَذَا لِسَان عَرَبِيّ مُبين} فَكيف يتَصَوَّر من يُعلمهُ أعجمي وَهَذَا الْكَلَام عَرَبِيّ وَقد أخبر أَنه نزله روح الْقُدس من رَبك بِالْحَقِّ فَهَذَا بَيَان أَن هَذَا الْقُرْآن الْعَرَبِيّ الَّذِي تعلمه من غَيره لم يكن هُوَ الْمُحدث لحروفه ونظمه إِذْ يُمكن لَو كَانَ كَذَلِك أَن يكون تلقى من الأعجمي مَعَانِيه وَألف هُوَ حُرُوفه وَبَيَان أَن هَذَا الذ تعلمه من غير نزل بِهِ روح الْقُدس من رَبك بِالْحَقِّ يدل على أَن الْقُرْآن جَمِيعه منزل من الرب سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لم ينزل مَعْنَاهُ دون حُرُوفه
وَمن الْمَعْلُوم أَن من بلغ كَلَام غَيره كمن بلغ كَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو غَيره من النَّاس أَو أنْشد شعر غَيره كَمَا لَو أنْشد منشد قَول لبيد
أَلا كل شَيْء مَا خلا الله بَاطِل
أَو قَول عبد الله بن رَوَاحَة حَيْثُ قَالَ
شهِدت بِأَن وعد الله حق
وَأَن النَّار مثوى الكافرينا ... وَأَن الْعَرْش فَوق المَاء طَاف
وَفَوق الْعَرْش رب العالمينا
أَو قَوْله
وَفينَا رَسُول الله يَتْلُو كِتَابه
إِذا انْشَقَّ مَعْرُوف من الْفجْر سَاطِع
يبيت يُجَافِي جنبه عَن فرَاشه
إِذا استثقلت بالمشركين الْمضَاجِع ... أرانا الْهدى بعد الْعَمى فَقُلُوبنَا
بِهِ مُوقِنَات أَن مَا قَالَ وَاقع