أَيَّام وَلِهَذَا قَالَ من قَالَ من عُلَمَاء اهل الْكتاب مَا ذكره الله تَعَالَى فِي التَّوْرَاة يدل على أَنه خلق هَذَا الْعَالم من مَادَّة أُخْرَى وَأَنه خلق ذَلِك فِي أزمان قبل أَن يخلق الشَّمْس وَالْقَمَر
وَلَيْسَ فِيمَا أخبر الله تَعَالَى بِهِ فِي الْقُرْآن وَغَيره أَنه خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض من غير مَادَّة وَلَا أَنه خلق الْإِنْس أَو الْجِنّ أَو الْمَلَائِكَة من غير مَادَّة بل يخبر أَنه خلق ذَلِك من مَادَّة وَإِن كَانَت الْمَادَّة مخلوقة من مَادَّة أُخْرَى كَمَا خلق الْإِنْس من آدم وَخلق آدم من طين وَفِي صَحِيح مُسلم عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ خلقت الْمَلَائِكَة من نور وخلقت الجان من مارج من نَار وَخلق آدم مِمَّا وصف لكم
وَالْمَقْصُود هُنَا أَن الْمَنْقُول عَن أساطين الفلاسفة القدماء لَا يُخَالف مَا أخْبرت بِهِ الْأَنْبِيَاء من خلق هَذَا الْعَالم من مَادَّة بل الْمَنْقُول عَنْهُم أَن هَذَا الْعَالم مُحدث كَائِن بعد إِن لم يكن
وَأما قَوْلهم فِي تِلْكَ الْمَادَّة هَل هِيَ قديمَة الْأَعْيَان أَو محدثة بعد أَن لم تكن أَو محدثة من مَادَّة أُخْرَى بعد مَادَّة قد تضطرب النقول عَنْهُم فِي هَذَا الْبَاب وَالله أعلم بِحَقِيقَة مَا يَقُوله كل من هَؤُلَاءِ فَإِنَّهَا أمة عربت كتبهمْ ونقلت من لِسَان إِلَى لِسَان وَفِي مثل ذَلِك قد يدْخل من الْغَلَط وَالْكذب مَا لَا يعلم حَقِيقَته وَلَكِن مَا تواطأت بِهِ النقول عَنْهُم يبْقى مثل الْمُتَوَاتر وَلَيْسَ لنا غَرَض معِين فِي معرفَة قَول كل وَاحِد مِنْهُم بل {تِلْكَ أمة قد خلت لَهَا مَا كسبت وَلكم مَا كسبتم وَلَا تسْأَلُون عَمَّا كَانُوا يعْملُونَ} سُورَة الْبَقَرَة ١٣٤ ١٤١
لَكِن الَّذِي لَا ريب فِيهِ أَن هَؤُلَاءِ اصحاب التعاليم كأرسطو واتباعه كَانُوا مُشْرِكين يعْبدُونَ الْمَخْلُوقَات وَلَا يعْرفُونَ النبوات وَلَا الْمعَاد البدني وَأَن الْيَهُود وَالنَّصَارَى خير مِنْهُم فِي الإلهيات والنبوات والمعاد
وَإِذا عرف أَن نفس فلسفتهم توجب عَلَيْهِم أَن لَا يَقُولُوا بقدم شَيْء من الْعَالم علم أَنهم مخالفون لصريح الْمَعْقُول كَمَا أَنهم مخالفون لصحيح الْمَنْقُول وَأَنَّهُمْ فِي تَبْدِيل الْقَوَاعِد الصَّحِيحَة المعقولة من جنس الْيَهُود وَالنَّصَارَى فِي تَبْدِيل مَا جَاءَت بِهِ الرُّسُل وَهَذَا هُوَ الْمَقْصُود فِي هَذَا الْبَاب
ثمَّ إِنَّه إِذا قدر أَنه لَيْسَ عِنْدهم من الْمَعْقُول مَا يعْرفُونَ بِهِ أحد الطَّرفَيْنِ فَيَكْفِي فِي ذَلِك إِخْبَار الرُّسُل باتفاقهم على خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض وحدوث هَذَا الْعَالم والفلسفة الصَّحِيحَة المبنية على المعقولات الْمَحْضَة توجب عَلَيْهِم تَصْدِيق الرُّسُل فِيمَا أخْبرت بِهِ وَتبين