وَهَذَا يتَبَيَّن بالْكلَام على قَوْله {سُبْحَانَكَ} فَإِن هَذَا اللَّفْظ يتَضَمَّن تَعْظِيم الرب وتنزيهه وَالْمقَام يَقْتَضِي تنزيهه عَن الظُّلم والعقوبة بِغَيْر ذَنْب يَقُول أَنْت مقدس ومنزه عَن ظلمي وعقوبتي بِغَيْر ذَنْب بل أَنا الظَّالِم الَّذِي ظلمت نَفسِي قَالَ تَعَالَى {وَمَا ظلمناهم وَلَكِن كَانُوا أنفسهم يظْلمُونَ} وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا ظلمناهم وَلَكِن ظلمُوا أنفسهم} وَقَالَ {وَمَا ظلمناهم وَلَكِن كَانُوا هم الظَّالِمين} وَقَالَ آدم عَلَيْهِ السَّلَام {رَبنَا ظلمنَا أَنْفُسنَا}
وَكَذَلِكَ قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الحَدِيث الصَّحِيح الَّذِي فِي مُسلم فِي دُعَاء الاستفتاح اللَّهُمَّ أَنْت الْملك لَا إِلَه إِلَّا أَنْت أَنْت رَبِّي وَأَنا عَبدك ظلمت نَفسِي وَاعْتَرَفت بذنبي فَاغْفِر لي ذُنُوبِي جَمِيعًا فَإِنَّهُ لَا يغْفر الذُّنُوب إِلَّا أَنْت وَفِي صَحِيح البُخَارِيّ سيد الاسْتِغْفَار أَن يَقُول العَبْد اللَّهُمَّ أَنْت رَبِّي لَا إِلَه إِلَّا أَنْت خلقتني وَأَنا عَبدك وَأَنا على عَهْدك وَوَعدك مَا اسْتَطَعْت أعوذ بك من شَرّ مَا صنعت أَبُوء لَك بنعتمك عَليّ وأبوء بذنبي فَاغْفِر لي فَإِنَّهُ لايغفر الذُّنُوب إِلَّا أَنْت من قَالَهَا إِذا أصبح موقنا بهَا فَمَاتَ من يَوْمه دخل الْجنَّة وَمن قَالَهَا إِذا أَمْسَى موقنا بهَا فَمَاتَ من ليلته دخل الْجنَّة
فَالْعَبْد عَلَيْهِ أَن يعْتَرف بِعدْل الله وإحسانه فَإِنَّهُ لايظلم النَّاس شَيْئا فَلَا يُعَاقب أحدا إِلَّا بِذَنبِهِ وَهُوَ يحسن إِلَيْهِم فَكل نقمة مِنْهُ عدل وكل نعْمَة مِنْهُ فضل
فَقَوله لَا إِلَه إِلَّا أَنْت فِيهِ إِثْبَات انْفِرَاده بالإلهية والألهية تَتَضَمَّن كَمَال علمه وَقدرته وَرَحمته وحكمته فَفِيهَا إِثْبَات إحسانه إِلَى الْعباد فَإِن الْإِلَه هُوَ المألوه والمألوه هُوَ الَّذِي يسْتَحق أَن يعبد وَكَونه يسْتَحق أَن يعبد هُوَ بِمَا اتّصف بِهِ من الصِّفَات الَّتِي تستلزمك أَن يكون هُوَ المحبوب غَايَة الْحبّ المخضوع لَهُ غَايَة الخضوع وَالْعِبَادَة تَتَضَمَّن غَايَة الْحبّ بغاية الذل
وَقَوله {سُبْحَانَكَ} يتَضَمَّن تَعْظِيمه وتنزيهه عَن الظُّلم وَغَيره من النقائص فَإِن التَّسْبِيح وَإِن كَانَ يُقَال يتَضَمَّن نفي النقائص وَقد رُوِيَ فِي حَدِيث مُرْسل من مَرَاسِيل مُوسَى بن طَلْحَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَول العَبْد سُبْحَانَ الله إِنَّهَا بَرَاءَة الله من السوء فالنفي لَا يكون مدحا إِلَّا إِذا تضمن ثبوتا وَإِلَّا فالنفي الْمَحْض لَا مدح فِيهِ وَنفي السوء وَالنَّقْص عَنهُ يسْتَلْزم إِثْبَات محاسنه وكماله وَللَّه الْأَسْمَاء الْحسنى
وَهَكَذَا عَامَّة مَا يَأْتِي بِهِ الْقُرْآن فِي نفي السوء وَالنَّقْص عَنهُ يتَضَمَّن إِثْبَات محاسنه وكماله كَقَوْلِه تَعَالَى {الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم لَا تَأْخُذهُ سنة وَلَا نوم} فنفي أَخذ السّنة وَالنَّوْم لَهُ يتَضَمَّن كَمَال حَيَاته وقيوميته وَقَوله {وَمَا مسنا من لغوب} يتَضَمَّن كَمَال قدرته وَنَحْو ذَلِك فالتسبيح المتضمن تنزيهه عَن السوء وَنفي النَّقْض عَنهُ يتَضَمَّن تَعْظِيمه فَفِي قَوْله