الكفار متمنيا لها نهى الله عز وجل رسوله صلّى الله عليه وسلّم عن الرغبة في الدنيا، ومزاحمة أهله عليها والمعنى أنك قد أوتيت القرآن العظيم الذي فيه غنى عن كل شيء، فلا تشغل قلبك وسرك بالالتفات إلى الدنيا والرغبة فيها. روي أن سفيان بن عيينة تأول قول النبي صلّى الله عليه وسلّم «ليس منا من لم يتغن بالقرآن» يعني من لم يستغن بالقرآن فتأول هذه الآية.
قيل: إنما يكون مادّا عينيه إلى الشيء، إذا أدام النظر إليه مستحسنا له فيحصل من ذلك تمني ذلك الشيء المستحسن، فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا ينظر إلى شيء من متاع الدنيا ولا يلتفت إليه ولا يستحسنه وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ يعني ولا تغتم على ما فاتك من مشاركتهم في الدنيا وقيل ولا تحزن على إيمانهم إذا لم يؤمنوا ففيه النهي عن الالتفات إلى أموال الكفار، والالتفات إليهم أيضا وروى البغوي بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «لا تغبطن فاجرا بنعمته فإنك لا تدري ما هو لاق بعد موته إن له عند الله قاتلا لا يموت قيل: وما هو؟ قال:
النار» (ق) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه في المال، والخلق فلينظر إلى من هو أسفل منه» لفظ البخاري ولمسلم قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم» قال عوف بن عبد الله بن عتبة: كنت أصحب الأغنياء فما كان أحد أكثر هما مني كنت أرى دابة خيرا من دابتي وثوبا خيرا من ثوبي، فلما سمعت هذا الحديث صحبت الفقراء فاسترحت. وقوله سبحانه وتعالى وَاخْفِضْ جَناحَكَ يعني ليّن جانبك لِلْمُؤْمِنِينَ وارفق بهم لما نهاه الله سبحانه وتعالى عن الالتفات إلى الأغنياء من الكفار، أمره بالتواضع واللين والرفق بفقراء المسلمين وغيرهم من المؤمنين.
سورة الحجر (١٥): الآيات ٨٩ الى ٩٥
وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (٨٩) كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (٩٠) الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (٩١) فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢) عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (٩٣)
فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (٩٤) إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (٩٥)
وَقُلْ أي وقل لهم يا محمد إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ لما أمر الله تعالى رسوله صلّى الله عليه وسلّم بالزهد في الدنيا، والتواضع للمؤمنين أمره بتبليغ ما أرسل به إليهم، والنذارة تبليغ مع تخويف والمعنى: إني أنا النذير بالعقاب لمن عصاني المبين النذارة كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ يعني أنذركم عذابا كعذاب أنزلناه بالمقتسمين، قال ابن عباس: أراد بالمقتسمين اليهود والنصارى. وهو قول الحسن ومجاهد وقتادة: سموا بذلك لأنهم آمنوا ببعض القرآن وكفروا ببعضه، فما وافق كتبهم آمنوا به وما خالف كتبهم كفروا به، وقال عكرمة: إنهم اقتسموا سور القرآن فقال واحد منهم هذه السورة لي وقال: آخر هذه السورة لي، وإنما فعلوا ذلك استهزاء به، وقال مجاهد:
إنهم اقتسموا كتبهم فآمنوا ببعضها وكفروا ببعضها، وكفر آخرون منهم بما آمن به غيرهم. وقال قتادة وابن السائب: أراد بالمقتسمين كفار قريش سموا بذلك لأن أقوالهم تقسمت في القرآن. فقال بعضهم: إنه سحر وزعم بعضهم أنه كهانة وزعم بعضهم إنه أساطير الأولين وقال ابن السائب: سموا بالمقتسمين لأنهم اقتسموا عقاب مكة وطرقها، وذلك أن الوليد بن المغيرة بعث رهطا من أهل مكة. قيل ستة عشر. وقيل: أربعين. فقال لهم: انطلقوا فتفرقوا على عقاب مكة وطرقها حيث يمر بكم أهل الموسم، فإذا سألوكم عن محمد فليقل بعضكم إنه كاهن وليقل بعضكم إنه شاعر، وليقل بعضكم إنه ساحر فإذا جاءوا إلي صدقتكم فذهبوا وقعدوا على عقاب مكة وطرقها يقولون لمن مر بهم من حجاج العرب: لا تغتروا بهذا الخارج الذي يدعي النبوة منا فإنه مجنون كاهن، وشاعر. وقعد الوليد بن المغيرة على باب المسجد الحرام فإذا جاءوا وسألوه عما قال: أولئك المقتسمون. قال:
صدقوا. وقوله سبحانه وتعالى: الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (خ) عن ابن عباس في قوله تعالى الذين جعلوا