الحال، بحيث تدل على الصانع وقدرته ولطيف حكمته فكأنها تنطق بذلك، ويصير لها بمنزلة التسبيح والقول الأول أصح كما دلت عليه الأحاديث، وأنه منقول عن السلف. واعلم أن لله تعالى علما في الجمادات لا يقف عليه غيره فينبغي أن نكل علمه إليه. وقوله تعالى وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ أي لا تعلمون ولا تفهمون تسبيحهم، ما عدا من يسبح بلغتكم ولسانكم إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً أي حيث لم يعاجلكم بالعقوبة على غفلتكم وجهلكم بالتسبيح. قوله عز وجل وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً أي يحجب قلوبهم عن فهمه والانتفاع به، وقيل: معناه مستورا عن أعين الناس فلا يرونه كما روي عن سعيد بن جبير أنه قال: «لما نزلت تبت يدا أبي لهب جاءت امرأة أبي لهب ومعها حجر والنبي صلّى الله عليه وسلّم مع أبي بكر فلم تره فقالت لأبي بكر: أين صاحبك لقد بلغني أنه هجاني فقال لها أبو بكر والله ما ينطق بالشعر، ولا يقوله فرجعت وهي تقول قد كنت جئت بهذا الحجر لأرضخ رأسه فقال أبو بكر: ما رأتك يا رسول الله. قال: لا لم يزل ملك بيني وبينها» وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أي أغطية أَنْ يَفْقَهُوهُ أي لئلا يفهموه وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً أي ثقلا لئلا يسمعوه وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ يعني إذا قلت لا إله إلا الله وأنت تتلو القرآن وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً جمع نافر.
سورة الإسراء (١٧): الآيات ٤٧ الى ٥٧
نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (٤٧) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً (٤٨) وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (٤٩) قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً (٥٠) أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً (٥١)
يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً (٥٢) وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً (٥٣) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (٥٤) وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (٥٥) قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً (٥٦)
أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً (٥٧)
نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ أي من الهزء بك وبالقرآن وقيل: معناه نحن أعلم بالوجه الذي يستمعون به وهو التكذيب إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أي وأنت تقرأ القرآن وَإِذْ هُمْ نَجْوى أي وبما يتناجون به في أمرك، وقيل: معناه ذوو نجوى بعضهم يقول: هو مجنون وبعضهم يقول هو كاهن وبعضهم يقول ساحر أو شاعر إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ يعني الوليد بن المغيرة وأصحابه إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً أي مطبوبا وقيل مخدوعا وقيل: معناه أنه سحر فجن. وقيل: هو من السحر وهو الرئة، ومعناه أنه بشر مثلكم يأكل ويشرب قال الشاعر:
أرانا موضعين لأمر غيب ... ونسخر بالطعام وبالشراب
أي يغذى بهما انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ أي الأشباه فقالوا: ساحر شاعر كاهن مجنون فُضِّلُوا أي في جميع ذلك وحاروا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا أي إلى طريق الحق وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً أي بعد الموت وَرُفاتاً أي ترابا وقيل: الرفات هي الأجزاء المتفتتة من كل شيء تكسر أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً فيه أنهم استبعدوا الإعادة بعد الموت والبلى. فقال سبحانه وتعالى ردا عليهم قُلْ أي قل يا محمد كُونُوا حِجارَةً