سورة الصافات (٣٧): الآيات ٧ الى ١١
وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ (٧) لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ (٨) دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ (٩) إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ (١٠) فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ (١١)
وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ أي وحفظنا السماء من كل شيطان متمرد عات يرمون بالشهب لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى يعني إلى الملائكة والكتبة لأنهم سكان السماء وذلك أن شياطين يصعدون إلى قرب السماء فربما سمعوا كلام الملائكة فيخبرون به أولياءهم الإنس ويوهمون بذلك أنهم يعلمون الغيب فمنعهم الله من ذلك بهذه الشهب وهو قوله تعالى: وَيُقْذَفُونَ أي يرمون بها مِنْ كُلِّ جانِبٍ أي آفاق السماء دُحُوراً أي يبعدونهم عن مجالس الملائكة وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ أي دائم إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ أي اختلس الكلمة من كلام الملائكة فَأَتْبَعَهُ أي لحقه شِهابٌ ثاقِبٌ أي كوكب مضيء قوي لا يخطئه بل يقتله ويحرقه أو يخبله.
وقيل سمي النجم الذي ترمى به الشياطين ثاقبا لأنه يثقبهم.
فإن قلت كيف يمكن أن تذهب الشياطين إلى حيث يعلمون أن الشهب تحرقهم ولا يصلون إلى مقصودهم ثم يعودون إلى مثل ذلك.
قلت إنما يعودون إلى استراق السمع مع علمهم أنهم لا يصلون إليه طمعا في السلامة ورجاء نيل المقصود كراكب البحر يغلب على ظنه حصول السلامة.
وقوله عز وجل: فَاسْتَفْتِهِمْ يعني سل أهل مكة أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا يعني من السموات والأرض والجبال وهو استفهام تقرير أي هذه الأشياء أشد خلقا، وقيل أَمْ مَنْ خَلَقْنا يعني من الأمم الخالية والمعنى أن هؤلاء ليسوا بأحكم خلقا من غيرهم من الأمم وقد أهلكناهم بذنوبهم فما الذي يؤمن هؤلاء من العذاب.
ثم ذكر مم خلقوا فقال الله تعالى: إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ يعني آدم من طين جيد حر لاصق لزج يعلق باليد وقيل من طين نتن.
سورة الصافات (٣٧): الآيات ١٢ الى ١٩
بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (١٢) وَإِذا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ (١٣) وَإِذا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (١٤) وَقالُوا إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (١٥) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (١٦)
أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ (١٧) قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ داخِرُونَ (١٨) فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ يَنْظُرُونَ (١٩)
بَلْ عَجِبْتَ قرئ بالضم على إسناد التعجب إلى الله تعالى وليس هو كالتعجب من الآدميين لأن العجب من الناس محمول على إنكار الشيء وتعظيمه والعجب من الله تعالى محمول على تعظيم تلك الحالة فإن كانت قبيحة فيترتب عليها العقاب وإن كانت حسنة فيترتب عليها الثواب، وقيل قد يكون بمعنى الإنكار والذم وقد يكون بمعنى الاستحسان والرضا كما جاء في الحديث «عجب ربكم من شاب ليست له صبوة» وفي حديث آخر «عجب ربكم من إلكم وقنوطكم وسرعة إجابته إياكم»، وقوله من إلكم الإل أشد القنوط وقيل هو رفع الصوت بالبكاء.
وسئل الجنيد رحمه الله تعالى عن هذه الآية فقال إن الله لا يعجب من شيء ولكن وافق رسوله ولما عجب رسوله قال «وإن تعجب فعجب قولهم» أي هو كما تقوله وقرئ بفتح التاء على أنه خطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم أي عجبت من تكذيبهم إياك وهم يسخرون من تعجبك وقيل عجب نبي الله صلّى الله عليه وسلّم من هذا القرآن حين أنزل وضلال بني آدم وذلك