صفوف. وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ يعني يوم القيامة بِجَهَنَّمَ قال ابن مسعود: في هذه الآية تقاد جهنم بسبعين ألف زمام، كل زمام بيد سبعين ألف ملك، لها تغيط وزفير حتى تنصب عن يسار العرش يَوْمَئِذٍ يعني يوم يجاء بجهنم يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ أي يتعظ الكافر ويتوب. وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى يعني أنه يظهر التوبة، ومن أين له التوبة.
يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي أي قدمت الخير، والعمل الصالح لحياتي في الآخرة التي لا موت فيها. فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ أي لا يعذب أحد في الدنيا كعذاب الله الكافر يومئذ. وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ يعني لا يبلغ أحد من الخلق كبلاغ الله في العذاب، والوثاق هو الأسر في السلاسل، والأغلال، وقرئ لا يعذب، ولا يوثق بفتح الذال والثاء، ومعناه لا يعذب عذاب هذا الكافر أحد، ولا يوثق وثاقه أحد، وهو أمية بن خلف، وذلك لشدة كفره وعتوه.
قوله عزّ وجلّ: يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ أي الثابتة على الإيمان، والإيقان، المصدقة بما قال الله تعالى، الموقنة التي قد أيقنت بالله تعالى، وبأن الله ربها، وخضعت لأمره، وطاعته، وقيل المطمئنة المؤمنة، الموقنة، وقيل هي الراضية بقضاء الله، وقيل هي الآمنة من عذاب الله، وقيل هي المطمئنة بذكر الله قيل نزلت في حمزة بن عبد المطلب حين استشهد بأحد، وقيل في حبيب بن عدي الأنصاري، وقيل في عثمان حين اشترى بئر رومة وسبلها وقيل في أبي بكر الصديق والأصح أن الآية عامة في كل نفس مؤمنة مطمئنة، لأن هذه السورة مكية ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ أي إلى ما وعد ربك من الجزاء والثواب، قيل يقال لها ذلك عند خروجها من الدنيا.
قال عبد الله بن عمر: إذا توفي العبد المؤمن أرسل الله عزّ وجلّ إليه ملكين، وأرسل إليه بتحفة من الجنة، فيقال اخرجي أيتها النفس المطمئنة اخرجي إلى روح وريحان، وربك عنك راض، فتخرج كأطيب ريح مسك وجده أحد في أنفه، والملائكة على أرجاء السماء يقولون قد جاء من الأرض روح طيبة ونسمة طيبة فلا تمر بباب إلا فتح لها، ولا بملك، إلا صلّى عليها حتى يؤتى بها الرّحمن جل جلاله، فتسجد له ثم يقال لميكائيل اذهب بهذه النفس فاجعلها مع أنفس المؤمنين، ثم يؤمر فيوسع عليه قبره سبعون ذراعا عرضه، وسبعون ذراعا، طوله وينبذ له فيه الروح والريحان، فإن كان معه شيء من القرآن كفاه نوره، وإن لم يكن جعل له نور مثل الشمس في قبره، ويكون مثله مثل العروس ينام فلا يوقظه إلا أحب أهله إليه، وإذا توفي الكافر أرسل الله إليه ملكين، وأرسل قطعة من بجاد أي من كساء أنتن من كل نتن، وأخشن من كل خشن، فيقال أيتها النفس الخبيثة، اخرجي إلى جهنم وعذاب أليم، وربك عليك غضبان وقيل في معنى قوله ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ أي إلى صاحبك وهو الجسد، وإنما يقال لها ذلك عند البعث فيأمر الله الأرواح أن ترجع إلى أجسادها، وهو قول عكرمة وعطاء والضحاك ورواية عن ابن عباس. وقيل ارجعي إلى ثواب ربك وكرامته راضِيَةً أي عن الله بما أعد لك مَرْضِيَّةً أي رضي الله عنها، وقيل لها في الدنيا ارجعي إلى ربك راضية مرضية، فإذا كان يوم القيامة قيل لها.
سورة الفجر (٨٩): الآيات ٢٩ الى ٣٠
فَادْخُلِي فِي عِبادِي (٢٩) وَادْخُلِي جَنَّتِي (٣٠)
فَادْخُلِي فِي عِبادِي أي في جملة عبادي، الصالحين المصطفين وَادْخُلِي جَنَّتِي قال سعيد بن جبير:
مات ابن عباس بالطائف فشهدت جنازته، فجاء طائر لم ير على خلقه طائر قط، فدخل نعشه ثم لم ير خارجا منه، فلما دفن تليت هذه الآية على شفير القبر لا يدرى من تلاها يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي، وقال: بعض أهل الإشارة في تفسير هذه الآية يا أيتها النفس المطمئنة إلى الدنيا، ارجعي إلى ربك بتركها، والرجوع إليه هو سلوك سبيل الآخرة والله أعلم.