يجيد لأن الكسر على المجاورة إنما يحمل لأجل الضرورة في الشعر أو يصار إليه حيث يحصل الأمن من الالتباس لأن الخرب لا يكون نعتا للضب بل للجحر ولأن الكسر بالجوار إنما يكون بدون حرف العطف.
أما مع حرف العطف فلم تتكلم به العرب وقوله تعالى: إِلَى الْكَعْبَيْنِ فيه دليل قاطع على وجوب غسل الكعبين كما في وجوب غسل الرجلين كما في قوله تعالى: وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ والمعنى: واغسلوا أرجلكم مع الكعبين وقد تقدم اختلاف العلماء في ذلك عند قوله إلى المرافق، والكعبان: هما العظمان الناتئان عند مفصل الساق والقدم هذا قول جمهور العلماء من أهل الفقه واللغة وشذت الشيعة، ومن قال بمسح الرجلين. فقال:
الكعب عبارة عن عظم مستدير على ظهر القدم ويدل على بطلان هذا القول أن الكعب لو كان على ما ذكره لكان في كل رجل كعب واحد فكان ينبغي أن يقال: وأرجلكم إلى الكعاب كما في قوله تعالى: وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ فلما قال إلى الكعبين علم أن لكل رجل كعبين فبطل ما قالوه وثبت قول الجمهور.
((فصل)) قد تقدم أن الفروض المذكورة في هذه الآية أربعة: وهي غسل الوجه وغسل اليدين إلى المرفقين ومسح الرأس وغسل الرجلين إلى الكعبين وقد تقدم استدلال الشافعي بهذه الآية على وجوب النية في الوضوء فصارت فرضا خامسا. وذهب الشافعي ومالك وأحمد إلى وجوب الترتيب في الوضوء، وهو أن يغسل الأعضاء في الوضوء على الولاء كما ذكره الله في هذه الآية فيغسل أولا وجهه ثم يده ثم يمسح رأسه ثم يغسل رجليه، فصار الترتيب فرضا سادسا. وذهب أبو حنيفة، إلى أن الترتيب في الوضوء غير واجب احتج الشافعي على وجوب الترتيب بهذه الآية وذلك أن الله تعالى أمر بغسل الوجه ثم بغسل اليدين ثم بمسح الرأس ثم بغسل الرجلين فوجب أن يقع الفعل مرتبا كما أمر الله تعالى ولقوله صلى الله عليه وسلم في حديث حجة الوداع «ابدأ بما بدأ الله به» وهذا الحديث، وإن ورد في قصة السعي بين الصفا والمروة، فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ولأن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم في الوضوء ما وردت إلا مرتبة كما ورد في نص الآية ولم ينقل عنه ولا عن غيره من الصحابة أنه توضأ منكسا أو غير مرتب، فثبت أن ترتيب أفعال الوضوء كما مر الله تعالى ونص عليه في هذه الآية واجب واحتج. أبو حنيفة لمذهبه بهذه الآية أيضا. وذلك أن الواو لا توجب الترتيب، فإذا قلنا بوجوب الترتيب صار ذلك زيادة على النص وذلك غير جائز وأجيب عنه بأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه توضأ إلا مرتبا كما ذكر وبيان الكتاب إنما يؤخذ من السنة.
((فصل في ذكر الأحاديث التي وردت في صفة الوضوء وفضله)) (ق) عن حمران مولى عثمان بن عفان «أن عثمان دعا بإناء فأفرغ على كفيه ثلاث مرات فغسلهما ثم أدخل يمينه في الإناء فمضمض واستنشق واستنثر ثم غسل وجهه ثلاثا ويديه إلى المرفقين ثلاثا ثم مسح برأسه ثم غسل رجليه ثلاث مرات إلى الكعبين ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا ثم قال: من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه» (ق).
عن عبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاري «قيل له توضأ لنا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بإناء فأفرغ منه على يديه ثلاثا ثم أدخل يده فاستخرجها فغسل وجهه ثلاثا ثم أدخل يده فاستخرجها فغسل يديه إلى المرفقين مرتين مرتين ثم أدخل يده فاستخرجها فمسح برأسه فأقبل بيديه وأدبر ثم غسل رجليه إلى الكعبين ثم قال هكذا كان وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم» زاد في رواية بعد قوله: «فأقبل بيديه وأدبر بدأ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه».