فدلوا من يعبد إلها واحدا فقضوا على أنفسهم فكانت هذه حجة إبراهيم عليه نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ يعني بالعلم والفهم والعدل والفضيلة كما رفعنا درجات إبراهيم حتى اهتدى إلى محاجّة قومه. وقيل: نرفع درجات من نشاء في الدنيا بالنبوة والعلم والحكمة وفي الآخرة بالثواب على الأعمال الصالحة إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ يعني أنه تعالى حكيم في جميع أفعاله عليم بجميع أحوال خلقه لا يفعل شيء إلا بحكمة وعلم.
قوله عز وجل: وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ لما أظهر إبراهيم عليه السلام دينه وغلب خصمه بالحجج القاطعة والبراهين القوية والدلائل الصحيحة التي فهمه الله تعالى إياه وهداه إليها عدد الله نعمه عليه وإحسانه إليه بأن رفع درجته في عليين وأبقى النبوة في ذريته إلى يوم الدين فقال تعالى: وَوَهَبْنا لَهُ يعني لإبراهيم إسحاق يعني ابنا لصلبه ويعقوب يعني ابن إسحاق وهو ولد الولد كُلًّا هَدَيْنا يعني هدينا جميعهم إلى سبيل الرشاد ووفقناهم إلى طريق الحق والصواب وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ يعني من قبل إبراهيم أرشدنا نوحا ووفقناه للحق والصواب ومننّا عليه بالهداية وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ اختلفوا في الضمير إلى من يرجع فقيل يرجع إلى إبراهيم يعني ومن ذرية إبراهيم داوُدَ وَسُلَيْمانَ وقيل: يرجع إلى نوح وهو اختيار جمهور المفسرين، لأن الضمير يرجع إلى أقرب مذكور ولأن الله ذكر في جملة هذه الذرية لوطا وهو ابن أخي إبراهيم ولم يكن من ذريته فثبت بهذا أن هاء الكناية ترجع إلى نوح وقال الزجاج: كلا القولين جائز لأن ذكرهما جميعا قد جرى. وداود هو ابن بيشا وكان ممن آتاه الله الملك والنبوة وكذلك سليمان بن داود وَأَيُّوبَ هو أيوب بن أموص بن رازح بن روم بن عيص بن إسحاق بن إبراهيم وَيُوسُفَ هو ابن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم وَمُوسى هو ابن عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوى بن يعقوب وَهارُونَ هو أخو موسى وكان أكبر منه بسنة وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ يعني:
وكما جزينا إبراهيم على توحيده وصبره على أذى قومه كذلك نجزي المحسنين على إحسانهم.
سورة الأنعام (٦): الآيات ٨٥ الى ٨٨
وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٨٥) وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكلاًّ فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ (٨٦) وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٨٧) ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٨٨)
وَزَكَرِيَّا هو ابن آذن بن بركيا وَيَحْيى هو ابن زكريا وَعِيسى هو ابن مريم بنت عمران وَإِلْياسَ.
قال ابن مسعود: هو إدريس وله اسمان مثل يعقوب وإسرائيل وقال محمد بن إسحاق: هو الياس بن سنا بن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران. وهذا هو الصحيح لأن أصحاب الأنساب يقولون: إن إدريس جد نوح لأن نوحا بن لامك بن متوشلخ بن أخنوخ وهو إدريس ولأن الله تعالى نسب الياس في هذه الآية إلى نوح وجعله من ذريته كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ يعني أن كل من ذكرنا وسمينا من الصالحين وَإِسْماعِيلَ هو ابن إبراهيم وإنما أخر ذكره إلى هنا لأنه ذكر إسحاق وذكر أولاده من بعده على نسق واحد فلهذا السبب أخر ذكر إسماعيل إلى هنا وَالْيَسَعَ هو ابن أخطوب بن العجوز وَيُونُسَ هو ابن متى وَلُوطاً هو ابن أخي إبراهيم: وَكلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ يعني على عالمي زمانهم. ويستدل بهذه الآية من يقول إن الأنبياء أفضل من الملائكة لأن العالم اسم لكل موجود سوى الله تعالى فيدخل فيه الملك فيقتضي أن الأنبياء أفضل من الملائكة.
واعلم أن الله تعالى ذكر هنا ثمانية عشر نبيا من الأنبياء عليهم السلام من غير ترتيب لا بحسب الزمان ولا بحسب الفضل، لأن الواو لا تقتضي الترتيب ولكن هنا لطيفة أوجبت هذا الترتيب وهي أن الله تعالى خص كل طائفة من طوائف الأنبياء عليهم السلام بنوع من الكرامة والفضل، فذكر أولا نوحا وإبراهيم وإسحاق ويعقوب