والثمار كان يحتمل أن يحرم على المالك أن يأكل منها شيئا قبل إخراج الواجب فيها لمكان شركة الفقراء والمساكين معه فأباح الله أن يأكل قبل إخراجه لأن رعاية حق النفس مقدمة على رعاية حق الغير وقيل إنما قال تعالى كلوا من ثمره إذا أثمر بصيغة الأمر ليعلم أن المقصود من خلق هذه الأشياء التي أنعم الله بها على عباده وهو الأكل وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ يعني يوم جذاذه وقطعه. واختلفوا في هذا الحق المأمور بإخراجه، فقال ابن عباس وأنس بن مالك: هو الزكاة المفروضة. وهذا قول طاوس والحسن وجابر بن زيد وسعيد بن المسيب ومحمد بن الحنفية وقتادة. قال قتادة في قوله «وآتوا حقه يوم حصاده» أي من الصدقة المفروضة ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم سن فيما سقت السماء والعين السائحة أو سقاه النيل والندى أو كان بعلا العشر كاملا وإن سقي بنضح أو سانية فنصف العشر وهذا فيما يكال من الثمرة أو الزرع وبلغ خمسة أوسق وذلك ثلاثمائة صاع فقد وجب فيها حق الزكاة وفي رواية عن ابن عباس في قوله تعالى: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ قال هو العشر ونصف العشر.
فإن قلت على هذا التفسير إشكال وهو أن فرض الزكاة كان بالمدينة وهذه السورة مكية فكيف يمكن حمل قوله وآتوا يوم حصاده على الزكاة المفروضة، قلت: ذكر ابن الجوزي في تفسيره عن ابن عباس وقتادة: إن هذه الآية نزلت بالمدينة فعلى هذا القول تكون الآية محكمة نزلت في حكم الزكاة وإن قلنا إن هذه الآية مكية تكون منسوخة بآية الزكاة، لأنه قد روي عن ابن عباس أنه قال: نسخت آية الزكاة كل صدقة في القرآن وقيل في قوله تعالى: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ أنه حق سوى الزكاة فرض يوم الحصاد وهو إطعام من حضر وترك ما سقط من الزرع والثمر، وهذا قول علي بن الحسن وعطاء ومجاهد وحماد. قال إبراهيم: هو الضغث، وقال الربيع: هو لقاط السنبل، وقال مجاهد: كانوا يجيئون بالعذق عند الصرام فيأكل منه من مر. وقال يزيد بن الأصم: كان أهل المدينة إذا صرموا النخل يجيئون بالعذق فيعلقونه في جانب المسجد فيجيء المسكين فيضربه بعصاه فما سقط منه أكله فعلى هذا القول هل هذا الأمر أمر وجوب أو استحباب وندب فيه قولان:
أحدهما: أنه أمر وجوب فيكون منسوخا بآية الزكاة.
وبقوله صلى الله عليه وسلم في حديث الأعرابي هل علي غيرها قال إلا أن تطوع.
والقول الثاني: إنه أمر ندب واستحباب فتكون الآية محكمة، وقال سعيد بن جبير: كان هذا حقا يؤمر بإخراجه في ابتداء الإسلام ثم صار منسوخا بإيجاب العشر، ولقول ابن عباس: نسخت آية الزكاة كل صدقة في القرآن واختار هذا القول الطبري وصححه واختار الواحدي والرازي القول الأول وصححاه.
فإن قلت: فعلى القول الأولى كيف تؤدى الزكاة يوم الحصاد والحب في السنبل وإنما يجب الإخراج بعد التصفية والجفاف، قلت: معناه قدروا أداء إخراج الواجب منه يوم الحصاد فإنه قريب من زمان التنقية والجفاف ولأن النخل يجب إخراج الحق منه يوم حصاده وهو الصرام والزرع محمول عليه إلا أنه لا يمكن إخراج الحق منه إلا بعد التصفية. وقيل معناه وآتوا حقه الذي وجب يوم حصاده بعد التصفية، وقيل: إن فائدة ذكر الحصاد أن الحق لا يجب بنفس الزرع وبلوغه إنما يجب يوم حصاده وحصوله في يد مالكه لا فيما يتلف من الزرع قبل حصوله في يد مالكه.
قوله تعالى: وَلا تُسْرِفُوا الإسراف تجاوز الحد فيما يفعله الإنسان وإن كان في الإنفاق أشهر وقيل السراف تجاوز ما حد لك وسرف المال إنفاقه في غير منفعة.
ولهذا قال سفيان: ما أنفقت في غير طاعة الله فهو سرف وإن كان قليلا. قال ابن عباس في رواية عنه: عمد ثابت بن قيس بن شماس فصرم خمسمائة نخلة فقسمها في يوم واحد ولم يترك لأهله شيء فأنزل الله هذه الآية