والقول الثاني: ذكر الإمام فخر الدين الرازي أنه يتناول جميع أنواع الزينة فيدخل تحته جميع أنواع الملبوس والحلي، ولولا أن النص ورد بتحريم استعمال الذهب والحرير على الرجال لدخلا في هذا العموم ولكن النص ورد بتحريم استعمال الذهب والحرير على الرجال دون النساء وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ يعني ومن حرم الطيبات من الرزق التي أخرجها الله لعباده وخلقها لهم ثم ذكروا في معنى الطيبات في هذه الآية أقوالا:
أحدها أن المراد بالطيبات اللحم والدسم الذي كانوا يحرمونه على أنفسهم أيام الحج يعظمون بذلك حجهم فرد الله تعالى بقوله: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ.
القول الثاني: وهو قول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وقتادة: أن المراد بذلك ما كان أهل الجاهلية يحرمونه من البحائر والسوائب. قال ابن عباس رضي الله عنهما إن أهل الجاهلية كانوا يحرمون أشياء أحلها الله تعالى من الرزق وغيرها وهو قول الله تعالى: قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا وهو هذا وأنزل الله قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق.
والقول الثالث: إن الآية على العموم فيدخل تحته كل ما يستلذ ويشتهى من سائر المطعومات إلا ما نهى عنه وورد نص بتحريمه قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا يعني قل يا محمد إن الطيبات التي أخرج الله من رزقه للذين آمنوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا غير خالصة لهم لأنه يشركهم فيها المشركون خالِصَةً لهم يَوْمَ الْقِيامَةِ يعني لا يشركهم فيها أحد لأنه لا حظ للمشركين يوم القيامة في الطيبات من الرزق، وقيل: خالصة لهم يوم القيامة من التكدير والتنغيص والغم لأنه قد يقع لهم في الحياة الدنيا في تناول الطيبات من الرزق كدر وتنغيص فأعلمهم أنها خالصة لهم في الآخرة من ذلك كله كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ يعني كذلك نبين الحلال مما أحللت والحرام مما حرمت لقوم علموا إني أنا الله وحدي لا شريك لي فأحلّوا حلالي وحرّموا حرامي.
قوله عز وجل: قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ جمع فاحشة وهي ما قبح وفحش من قول أو فعل، والمعنى: قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين يتجردون من الثياب ويطوفون بالبيت عراة ويحرمون أكل الطيبات مما أحل الله لهم إن الله لم يحرم ما تحرمونه أنتم بل أحله الله لعباده وطيبه لهم وإنما حرم ربي الفواحش من الأفعال والأقوال ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ يعني علانيته وسره (ق). عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «لا أحد أغير من الله» من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا أحد أحب إليه المدح من الله من أجل ذلك مدح نفسه.
أصل الغيرة ثوران القلب وهيجان الحفيظة بسبب المشاركة فيما يختص به الإنسان ومنه غيرة أحد الزوجين على الآخر لاختصاص كل واحد منهما بصاحبه ولا يرضى أن يشاركه أحد فيه فلذلك يذب عنه ويمنعه من غيره وأما الغيرة في وصف الله تعالى فهو منعه من ذلك وتحريمه له ويدل على ذلك قوله: ومن غيرته حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن وقد يحتمل أن تكون غيرته تغيير حال فاعل ذلك بعقاب والله أعلم.
وقوله تعالى: وَالْإِثْمَ يعني وحرم الإثم واختلفوا في الفرق بين الفاحشة والإثم فقيل الفواحش الكبائر لأنه قد تفاحش قبحها وتزايد والإثم عبارة عن الصغائر من الذنوب فعلى هذا يكون معنى الآية: قل إنما حرم ربي الكبائر والصغائر. وقيل الفاحشة اسم لما يجب فيه الحد من الذنوب والإثم اسم لما لا يجب فيه الحد، وهذا القول قريب من الأول واعترض على هذين القولين بأن الإثم في أصل اللغة الذنب فيدخل فيه الكبائر والصغائر، وقيل: إن الفاحشة اسم للكبيرة والإثم اسم لمطلق الذنب سواء كان كبيرا أو صغيرا والفائدة فيه أن يقال لما حرم الله الكبيرة بقوله: قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ أردفه بتحريم مطلق الذنب لئلا يتوهم متوهم أن التحريم مقصور على الكبائر فقط وقيل إن الفاحشة وإن كانت بحسب اللغة اسما لكل ما تفاحش من قول أو فعل لكنه قد