استغفر لنا وطهرنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا آخذ شيئا منها حتى أومر به، فأنزل الله عز وجل: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً الآية، وهذا قول زيد بن أسلم وسعيد بن جبير وقتادة والضحاك. ثم اختلف العلماء في المراد بهذه الصدقة فقال بعضهم: هو راجع إلى هؤلاء الذين تابوا وذلك أنهم بذلوا أموالهم صدقة فأوجب الله سبحانه وتعالى أخذها وصار ذلك معتبرا في كمال توبتهم لتكون جارية مجرى الكفارة. وأصحاب هذا القول يقولون ليس المراد بها الصدقة الواجبة. وقال بعضهم: إن الزكاة كانت واجبة عليهم فلما تابوا من تخلفهم عن الغزو وحسن إسلامهم وبذلوا الزكاة أمر الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يأخذها منهم وقال بعضهم إن الآية كلام مبتدأ والمقصود منها إيجاب أخذها من الأغنياء ودفعها إلى الفقراء وهذا قول أكثر الفقهاء واستدلوا بها على إيجاب أخذ الزكاة.
أما حجة أصحاب القول الأول، فإنهم قالوا: إن الآيات لا بد وأن تكون منتظمة متناسبة فلو حملناها على أخذ الزكاة الواجبة، لم يبق لهذه الآية تعلق بما قبلها ولا بما بعدها، ولأن جمهور المفسرين ذكروا في سبب نزولها أنها نزلت في شأن التائبين وأما أصحاب القول الأخير فإنهم قالوا: المناسبة حاصلة أيضا على هذا التقدير وذلك أنهم لما تابوا وأخلصوا وأقروا أن السبب الموجب للتخلف وحب المال أمروا بإخراج الزكاة التي هي طهرة فلما أخرجوها علمت صحة قولهم وصحة توبتهم. ولا يمنع من خصوص السبب عموم الحكم فإن قالوا: إن الزكاة قدر معلوم لا يبلغ ثلث المال وقد أخذ منهم ثلث أموالهم قلنا: لا يمنع هذا صحة ما قلناه لأنهم رضوا ببذل الثلث من أموالهم فلأن يكونوا راضين بإخراج الزكاة أولى. ثم في هذه الآية أحكام: الأول قوله سبحانه وتعالى: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً، الخطاب فيه للنبي صلى الله عليه وسلم أي خذ يا محمد من أموالهم صدقة فكان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذها منهم أيام حياته ثم أخذها من بعده الأئمة فيجوز للإمام أو نائبه أن يأخذ الزكاة من الأغنياء ويدفعها إلى الفقراء.
الحكم الثاني: قوله من أموالهم، ولفظة «من» تقتضي التبعيض وهذا البعض المأخوذ غير معلوم ولا مقدر بنص القرآن فلم يبق إلا الصدقة التي بيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدرها وصفتها في أخذ الزكاة.
الحكم الثالث: ظاهر قوله خذ من أموالهم صدقة يفيد العموم فتجب الزكاة في جميع المال حتى في الديون وفي مال الركاز.
الحكم الرابع: ظاهر قوله تطهرهم، أن الزكاة إنما وجبت لكونها طهرة من الآثام وصدور الآثام لا يمكن حصولها إلا من البالغ دون الصبي فوجب أن تجب الزكاة في مال البالغ دون الصبي وهذا قول أبي حنيفة ثم أجاب أصحاب الشافعي: بأنه لا يلزم من انتفاء سبب معين انتفاء الحكم مطلقا.
وللعلماء في قوله سبحانه وتعالى تطهرهم أقوال:
الأول: أن معناه خذ يا محمد من أموالهم صدقة فإنك تطهرهم بأخذها من دنس الآثام.
القول الثاني: أن يكون تطهرهم متعلقا بالصدقة تقديره خذ من أموالهم صدقة فإنها طهرة لهم وإنما حسن جعل الصدقة مطهرة لما جاء أن الصدقة من أوساخ الناس فإذا أخذ الصدقة فقد اندفعت تلك الأوساخ وكان ذلك الاندفاع جاريا مجرى التطهير: فعلى هذا القول يكون قوله سبحانه وتعالى وتزكيهم بها متقطعا عن قوله تطهرهم ويكون التقدير: خذ يا محمد من أموالهم صدقة تطهرهم تلك الصدقة وتزكيهم أنت بها.
القول الثالث: أن تجعل التاء في قوله تطهرهم وتزكيهم ضمير المخاطب ويكون المعنى تطهرهم أنت يا محمد بأخذها منهم وتزكيهم أنت بواسطة تلك الصدقة.
القول الرابع: أن معناه تطهرهم من ذنوبهم وتزكيهم يعني ترفع منازلهم عن منازل المنافقين إلى منازل