رأيناهم يغسلون أدبارهم من الغائط فغسلنا كما غسلوا. وعن قتادة قال: ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأهل قباء «إن الله سبحانه وتعالى قد أحسن عليكم بالثناء في الطهور فما تصنعون؟ قالوا: إنا نغسل عنا أثر الغائط والبول» وقال الإمام فخر الدين الرازي: المراد من هذه الطهارة الطهارة من الذنوب والمعاصي وهذا القول متعين لوجوه:
الأول: أن التطهر من الذنوب هو المؤثر في القرب من الله عز وجل واستحقاق ثوابه ومدحه.
الوجه الثاني: أن الله سبحانه وتعالى وصف أصحاب مسجد الضرار بمضارة المسلمين والتفريق بينهم والكفر بالله وكون هؤلاء يعني أهل قباء بالضد من صفاتهم وما ذاك إلا لكونهم مبرئين من الكفر والمعاصي وهي الطهارة الباطنية.
الوجه الثالث: أن طهارة الظاهر إنما يحصل لها أثر عند الله إذا حصلت الطهارة الباطنية من الكفر والمعاصي وقيل يحتمل أنه محمول على كلا الأمرين يعني طهارة الباطن من الكفر والنفاق والمعاصي وطهارة الظاهر من الأحداث والنجاسات بالماء وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ فيه مدح لهم وثناء عليهم والرضا عنهم بما اختاروه لأنفسهم من المداومة على محبة الطهارة.
سورة التوبة (٩): آية ١٠٩
أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠٩)
قوله سبحانه وتعالى: أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٍ يعني طلب ببنائه المسجد الذي بناه تقوى الله ورضاه. والمعنى: أن الباني لما بنى ذلك البناء كان قصده تقوى الله وطلب رضاه وثوابه خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ الشفا: هو الشفير وشفا كل شيء حرفه ومنه يقال: أشفى على كذا إذا دنا منه وقرب أن يقع فيه. والجرف: المكان الذي أكل الماء تحته فهو إلى السقوط قريب وقال أبو عبيد: الجرف هو الهوة وما يجرفه السيل من الأودية فينحفر بالماء فيبقى واهيا هار أي هائر وهو الساقط فهو من هار يهور فهو هائر وقيل: هو من هاريها إذا تهدم وسقط وهو الذي تداعى بعضه في أثر بعض كما يهار الرمل والشيء الرخو فَانْهارَ بِهِ يعني سقط بالباني فِي نارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ والمعنى أن بناء هذا المسجد الضرار كالبناء على شفير جهنم فيهور بأهله فيها. وهذا مثل ضربه الله تعالى للمسجدين مسجد الضرار ومسجد التقوى مسجد قباء أو مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ومعنى المثل: أفمن أسس بنيان دينه على قاعدة قوية محكمة وهو الحق الذي هو تقوى الله ورضوانه خير أم من أسس دينه على أضعف القواعد وأقلها بقاء وثباتا وهو الباطل والنفاق الذي مثله مثل بناء على غير أساس ثابت وهو شفا جرف هار وإذا كان كذلك كان أسرع إلى السقوط في نار جهنم ولأن الباني الأول قصد ببنائه تقوى الله ورضوانه فكان بناؤه أشرف البناء، والباني الثاني قصد ببنائه الكفر والنفاق وإضرار المسلمين فكان بناؤه أخسّ البناء وكانت عاقبته إلى نار جهنم.
قال ابن عباس: صيرهم نفاقهم إلى النار. وقال قتادة: والله ما تناهى بناؤهم حتى وقع في النار ولقد ذكر لنا أنه حفرت بقعة منه فرؤي الدخان يخرج منها. وقال جابر بن عبد الله: رأيت الدخان يخرج من مسجد الضرار.