خلق هذه الأشياء كلها هو الإله المعبود المنفرد بالوحدانية في الوجود قالُوا يعني المشركين اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً يعني به قولهم الملائكة بنات الله سُبْحانَهُ نزه الله سبحانه وتعالى نفسه عن اتخاذ الولد هُوَ الْغَنِيُّ يعني أنه سبحانه وتعالى هو الغني عن جميع خلقه فكيف يليق بجلاله اتخاذ الولد وإنما يتخذ الولد من هو محتاج إليه والله تعالى هو الغني المطلق وجميع الأشياء محتاجة إليه وهو غني عنها لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ يعني أنه مالك ما في السموات وما في الأرض وكلهم عبيده وفي قبضته وتصرفه وهو محدثهم وخالقهم.
ولما نزّه الله سبحانه وتعالى نفسه عن اتخاذ الولد عطف على من قال ذلك بالإنكار والتوبيخ والتقريع فقال سبحانه وتعالى: إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا يعني أنه لا حجة عندكم على هذا القول البتة ثم بالغ في الإنكار عليهم بقوله تعالى: أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ يعني أتقولون على الله قولا لا تعلمون حقيقته وصحته وتضيفون إليه ما لا تجوز إضافته إليه جهلا منكم بما تقولون بغير حجة ولا برهان قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ أي: قل يا محمد لهؤلاء الذين يختلقون على الله الكذب فيقولون على الله الباطل ويزعمون أن له ولدا لا يُفْلِحُونَ يعني لا يسعدون وإن اغتروا بطول السلامة والبقاء في النعمة.
والمعنى أن قائل هذا القول لا ينجح في سعيه ولا يفوز بمطلوبه بل خاب وخسر قال الزجاج هذا وقف قام يعني قوله لا يفلحون ثم ابتدأ فقال تعالى: مَتاعٌ فِي الدُّنْيا وفيه إضمار تقديره لهم متاع في الدنيا يتمتعون به مدة أعمارهم وانقضاء آجالهم في الدنيا وهي أيام يسيرة بالنسبة إلى طول مقامهم في العذاب وهو قوله سبحانه وتعالى: ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ يعني بعد الموت ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ يعني ذلك العذاب بسبب ما كانوا يجحدون في الدنيا من نعمة الله عليهم ويصفونه بما لا يليق بجلاله.
سورة يونس (١٠): الآيات ٧١ الى ٧٣
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ (٧١) فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٧٢) فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (٧٣)
قوله سبحانه وتعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ لما ذكر الله سبحانه وتعالى في هذه السورة أحوال كفار قريش وما كانوا عليه من الكفر والعناد شرع بعد ذلك في بيان قصص الأنبياء وما جرى لهم مع أممهم ليكون في ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة بمن سلف من الأنبياء وتسلية له ليخف عليه ما يلقى من أذى قومه وأن الكفار من قومه إذا سمعوا هذه القصص وما جرى لكفار الأمم الماضية من العذاب والهلاك في الدنيا كان ذلك سببا لخوف قلوبهم وداعيا لهم إلى الإيمان.
ولما كان قوم نوح أول الأمم هلاكا وأعظمهم كفرا وجحودا ذكر الله قصتهم وأنه أهلكهم بالغرق ليصير ذلك موعظة وعبرة لكفار قريش، فقال سبحانه وتعالى واتل عليهم نبأ نوح يعني واقرأ على قومك يا محمد خبر قوم نوح إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ وهو بنو قابيل إِنْ كانَ كَبُرَ يعني ثقل عَلَيْكُمْ مَقامِي يعني فيكم وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللَّهِ يعني: ووعظي إياكم بآيات الله: وقيل: معناه إن كان ثقل وشق عليكم طول مقامي فيكم وذلك أنه عليه الصلاة والسلام أقام فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى الله تعالى ويذكرهم بآيات الله وهو قوله وتذكيري بآيات الله يعني ووعظي بآيات الله وحججه وبيناته فعزمتم على قتلي وطردي فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ يعني فهو حسبي وثقتي فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ يعني فأحكموا أمركم واعزموا عليه، قال الفراء: الإجماع الإعداد والعزيمة