على الوارد إلى الماء وشبه أتباعه بالواردين بعده ولما كان ورود الماء محمودا عند الواردين لأنه يكسر العطش قال في حق فرعون وأتباعه فأوردهم النار وبئس الورد المورود لأن الأصل فيه قصد الماء واستعمل في ورود النار على سبيل الفظاعة وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ يعني في هذه الدنيا لَعْنَةً يعني طردا وبعدا عن الرحمة وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يعني وأتبعوا لعنة أخرى يوم القيامة مع اللعنة التي حصلت لهم في الدنيا بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ يعني بئس العون المعان وذلك أن اللعنة في الدنيا رفد للعنة في الآخرة وقيل معناه بئس العطاء المعطى وذلك أنه ترادف عليهم لعنتان لعنة في الدنيا ولعنة في الآخرة.
وقوله سبحانه وتعالى: ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى يعني من أخبار أهل القرى وهم الأمم السالفة والقرون الماضية نَقُصُّهُ عَلَيْكَ يعني نخبرك به يا محمد لتخبر قومك أخبارهم لعلهم يعتبرون بهم فيرجعوا عن كفرهم أو ينزل بهم مثل ما نزل بهم من العذاب مِنْها يعني من القرى التي أهلكنا أهلها قائِمٌ وَحَصِيدٌ يعني منها عامر ومنها خراب وقيل منها قائم يعني الحيطان بغير سقوف ومنها ما قد محي أثره بالكلية شبهها الله تعالى بالزرع الذي بعضه قائم على سوقه وبعضهم قد حصد وذهب أثره والحصيد بمعنى المحصود وَما ظَلَمْناهُمْ يعني بالعذاب والإهلاك وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ يعني بالكفر والمعاصي فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ يعني بعذابهم أي لم تنفعهم أصنامهم ولم تدفع عنهم العذاب وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ يعني غير تخسير وقيل غير تدمير.
سورة هود (١١): الآيات ١٠٢ الى ١٠٦
وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (١٠٢) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (١٠٣) وَما نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ (١٠٤) يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (١٠٥) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (١٠٦)
وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ يعني وهكذا أخذ ربك إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ الضمير في وهي عائد على القرى والمراد أهلها إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (ق) عن أبي موسى الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ثم قرأ: وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد» فالآية الكريمة في الحديث دليل على أن من أقدم على ظلم فإنه يجب أن يتدارك ذلك بالتوبة والإنابة ورد الحقوق إلى أهلها إن كان الظلم للغير لئلا يقع في هذا الوعيد العظيم والعذاب الشديد ولا يظن أن هذه الآية حكمها مختص بظالمي الأمم الماضية بل هو عام في كل ظالم ويعضده الحديث والله أعلم.
قوله عز وجل: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً يعني ما ذكر من عذاب الأمم الحالية وإهلاكهم لعبرة وموعظة لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ يعني أن إهلاك أولئك عبرة يعتبر بها وموعظة يتعظ بها من كان يخشى الله ويخاف عذابه في الآخرة لأنه إذا نظر ما أحل الله بأولئك الكفار في الدنيا من أليم عذابه وعظيم عقابه وهو كالأنموذج مما أعد لهم في الآخرة اعتبر به فيكون زيادة في خوفه وخشيته من الله ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ يعني يوم القيامة تجمع فيه الخلائق من الأولين والآخرين للحساب والوقوف بين يدي رب العالمين وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ يعني يشهده أهل السماء وأهل الأرض وَما نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ يعني وما نؤخر ذلك اليوم وهو يوم القيامة إلا إلى وقت معلوم محدود وذلك الوقت لا يعلمه أحد إلا الله تعالى: يَوْمَ يَأْتِ يعني ذلك اليوم لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ قيل: إن جميع الخلائق يسكتون في ذلك اليوم فلا يتكلم أحد فيه إلا بإذن الله تعالى.
فإن قلت كيف وجه الجمع بين هذه الآية وبين قوله سبحانه وتعالى: يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها وقوله إخبارا عن محاجة الكفار «والله ربنا ما كنا مشركين» والأخبار أيضا تدل على الكلام في ذلك اليوم.