ويُلاحَظ أن النشاط الدبلوماسي والسياسة الخارجية الصهيونية تنفرد بكونها سابقة على قيام الدولة بل منشئة لها. وقد أسفرت هذه السياسة الخارجية عن قيام دولة إسرائيل تحقيقاً لتعهد دولي من وزير خارجية دولة استعمارية عظمى، وبمساندة انتداب دولي في فلسطين تحت إشراف الحاكم العام هربرت صمويل قررته عصبة الأمم التي كانت تهيمن عليها الدول الغربية الاستعمارية، واستناداً إلى قرار تقسيم صادر عن منظمة دولية.
غير أن الوجه الآخر لأسبقية السياسة الخارجية على وجود الدولة تمثل في وجود نوع من المعضلات النابعة من خصوصية الظاهرة الصهيونية، على رأسها إشكالية تَعدُّد الفاعلين الدوليين في السياسة الخارجية بعد قيام الدولة الصهيونية وطبيعة العلاقة بين هؤلاء الفاعلين، وهي علاقة شابها الصراع والتنافس أكثر من مرة، ولعل من أكثر هذه الصراعات حدة الصراع الذي نشب بين المنظمة الصهيونية (تحت قيادة ناحوم جولدمان) وحكومة جولدا مائير في أواخر الستينيات. غير أن هذا الصراع حُسم تاريخياً لمصلحة مؤسسة الدولة.
والواقع أن العلاقة بين الدولة والمنظمة لم تكن في جميع الأحوال علاقة إما/أو، ولم يكن منطق الدولة مختلفاً دائماً عن المنطق الصهيوني الصرف الذي تمثله المنظمة. فإسرائيل تبنت منذ نشأتها نموذج الصهيونية العمالية كإطار عام لتنظيمها السياسي والاقتصادي وقد وافقت على هذا المنظمة الصهيونية. ويمكن التمييز تاريخياً بين مرحلتين: المرحلة الأولى هي مرحلة سيادة نموذج الصهيونية العمالية حتى منتصف السبعينيات، والثانية تبدأ مع استحكام أزمة هذا النموذج وظهور الدعوة إلى تطبيع الاقتصاد الإسرائيلي، والتي كان من الطبيعي أن تنعكس على صياغة توجهات السياسة الخارجية الإسرائيلية.