ففي الثلاثين عاماً الأولى بعد تأسيس الدولة، كانت السياسة الإسرائيلية تصاغ في ظل نموذج الصهيونية العمالية الذي قام بإعطاء الأولوية للاستيطان وبناء الكيان الصهيوني. وانعكس هذا النموذج على السياسة الخارجية الإسرائيلية في مجالين أساسيين:
أولاً: غلبة المنطق الأمني الجيتوي (نسبة إلى الجيتو) على السياسة الخارجية، فإسرائيل ـ حسب هذا المنطق ـ دولة تدافع عن مصالح الغرب في المنطقة وتقوم بدور الخفير الذي يقوم بتأديب كل من تُسوِّل له نفسه (مثل القوميين العرب) أن يتمرد على الهيمنة الغربية ويبحث عن التنمية المستقلة ويحاول أن تُدار المنطقة لصالح أهلها. ويتلازم مع هذا ديباجات جيتوية تركز على الجماعة اليهودية المحاصرة في محيط الأعداء (الأغيار) وتكرس أحقية الدولة في تلقِّي تعويضات عن ضحايا اليهود باعتبارها ممثلهم الشرعي الوحيد.
ثانياً: تتطلب العلاقات مع المحيط العربي المعادي (في إطار المنطق الأمني الجيتوي) درجة مرتفعة من عسكرة السياسة الخارجية، بمعنى تغليب الأداة العسكرية على الأداة الدبلوماسية في تنفيذ السياسة الخارجية. وقد يكون من المفيد هنا التذكير بأن إسرائيل لم تسع في البداية إلى التفاوض مع العرب (حتى ما بعد حرب عام ١٩٦٧) ، وهو ما عبَّر عنه بن جوريون في مذكراته في ١٤ يوليه ١٩٤٩ حيث ذكر أن "أبا إيبان.. لا يرى ضرورة للركض وراء السلام، لأن العرب سيطلبون ثمناً: حدوداً أو عودة لاجئين أو كليهما.. فلننتظر بضعة أعوام". فإسرائيل ـ على حد تعبير الأستاذ هيكل ـ لم تكن تريد السلام لا بالتفاوض ولا بغيره، بعد أن نجحت في إقامة الدولة حرباً، لأنها لم تكن مستعدة لدفع ثمن هذا السلام، بل كان التوسع طموحها.