ومن الواضح أن التمييز بين هذين النوعين من الرأسمالية هو تعبير عن الصراع بين رؤية الاستنارة الآلية والرؤية العضوية المعادية للاستنارة. وتبنِّي سومبارت للفكر العضوي هو في جوهره احتجاج على تزايد معدلات الترشيد والعلمنة في المجتمع الغربي.
كما أننا سنلاحظ أن الرأسمالية التجارية هي رأسمالية المجتمعات الإقطاعية التي تضطلع بها الجماعات الوظيفية الوسيطة على عكس النشاط الرأسمالي الاستثماري، وهو ما يعادل الرأسمالية الرشيدة عند فيبر.
ويرى سومبارت أن أعضاء الجماعات اليهودية ساهموا في تطوُّر الرأسمالية بشكل عام، وإن كانت هناك عدة عناصر جعلت ارتباطهم بالرأسمالية التجارية أكثر قوة من ارتباطهم بالرأسمالية الاستثمارية. ويورد سومبارت عدة أسباب لهذه الظاهرة بعضها يعود إلى النسق الديني اليهودي والبعض الآخر يعود إلى وضعهم في المجتمعات الغربية:
١ ـ لم تُحرِّم اليهودية التجارة، ولم تنظر إليها نظرة سلبية، وإنما قامت بتنظيمها بل تشجيعها. وأبدت اهتماماً خاصاً بالأعمال المالية من أجل تحقيق الربح.
٢ ـ حرَّمت اليهودية الإقراض بالربا بين اليهود ولكنها أحلته بين اليهودي وغير اليهودي، وهو ما فتح الباب على مصراعيه أمام اليهودي للاشتغال بالأعمال المالية ومراكمة رأس المال.
٣ ـ تشجِّع اليهودية الاعتدال والتحكم في الذات وعدم التعبير عن العواطف والدوافع بشكل تلقائي إلا من خلال قنوات شرعية مُعتَرف بها دينياً. ويعني هذا، في واقع الأمر، تحويل طاقات حيوية هائلة للنشاطات الاقتصادية. ويرى سومبارت أن هذا هو الترشيد الاقتصادي بعينه.
٤ ـ يشير سومبارت إلى النسق الديني اليهودي، فيُلاحظ أن اليهودية مجردة من الأسرار والطقوس ذات الطابع الرمزي، وهو ما يعني أنها تنمي عقلية رشيدة عقلانية تميل نحو الحساب وتبتعد عن المغامرة.