أَخْبَرَنَا أَبُو تُرَابٍ حَيْدَرَةُ بْنُ أَحْمَدَ ، حَدَّثَنَا أَبُو بكر الخطيب ، أَخْبَرَنِي أَبُو الْحَسَنِ بْنُ رَزْقَوَيْهِ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ السِّنْدِيِّ ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عِيسَى ، أنا إِسْحَاقُ بْنُ بِشْرٍ الْقُرَشِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ . ح وَعُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، قَالَ : قَدِمَتِ الْفَارِعَةُ أُخْتُ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ ، وَكَانَتْ ذَاتَ لُبٍّ وَعَقْلٍ وَجَمَالٍ ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا مُعْجَبًا ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ : " يَا فَارِعَةُ ، هَلْ تَحْفَظِينَ مِنْ شِعْرِ أَخِيكِ شَيْئًا ؟ " فَقَالَتْ : نَعَمْ ، وَأَعْجَبُ مِنْهُ مَا قَدْ رَأَيْتُ ، قَالَتْ : كَانَ أَخِي فِي سَفَرٍ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ بَدَأَ بِي فَدَخَلَ عَلَيَّ فَرَقَدٌ عَلَى السَّرِيرِ ، وَأَنَا أَحْلِقُ أَدِيمًا فِي يَدِي إِذْ أَقْبَلَ طَائِرَانِ أَبْيَضَانِ ، أَوْ كَالطَّيْرَيْنِ أَبْيَضَيْنِ فَوَقَعَ عَلَى الْكُوَّةِ أَحَدُهُمَا ، وَدَخَلَ الآخَرُ فَوَقَعَ عَلَيْهِ ، فَشَقَّ الْوَاقِعُ عَلَيْهِ مَا بَيْنَ قَصِّهِ إِلَى عَانَتِهِ ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي جَوْفِهِ فَأَخْرَجَ قَلْبَهُ ، فَوَضَعَهُ فِي كَفِّهِ ثُمَّ شَمَّهُ ، فَقَالَ لَهُ الطَّائِرُ الأَعْلَى : أَوَعَى ؟ قَالَ : وَعَا ، قَالَ : أَزَكَا ؟ قَالَ أَبَى : ثُمَّ رَدَّ الْقَلْبَ إِلَى مَكَانِهِ ، فَالْتَأَمَ الْجُرْحُ أَسْرَعَ مِنْ طَرْفَةِ عَيْنٍ ، ثُمَّ ذَهَبَا ، فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ دَنَوْتُ مِنْهُ فَحَرَّكْتُهُ ، فَقُلْتُ : هَلْ تَجِدُ شَيْئًا ؟ قَالَ : لا ، إِلا تَوْصِيبًا فِي جَسَدِي ، وَقَدْ كُنْتُ ارْتَعَتُّ مِمَّا رَأَيْتُ ، فَقَالَ لِي : مَا لِي أَرَاكِ مُرْتَاعَةً ؟ قَالَتْ : فَأَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ ، فَقَالَ : خَيْرًا أُرِيدَ بِي ثُمَّ أُصْرِفَ عَنِّي ، فَأَنْشَأَ يَقُولُ : بَانَتْ هُمُومِي تَسْرِي طَوَارِقُهَا أَلِفَ عَيْنِي وَالدَّمْعُ سَابِقُهَا مِمَّا أَتَانِي مِنَ الْيَقِينِ وَلَمْ أوت براة بعض ناطقها أَمْ مَنْ تَلَظَّى عَلَيْهِ وَاقِدَةُ النَّارِ مُحِيطٌ بِهِمْ سُرَادِقُهَا أَمِ اسْكُنِ الْجَنَّةَ الَّتِي وُعِدَ الأَبْرَارُ مَصْفُوفَةٌ نَمَارِقُهَا لا يَسْتَوِي الْمَنْزِلانِ وَلا الأَعْمَالُ لا تَسْتَوِي طَرَائِقُهَا هُمَا فَرِيقَانِ فِرْقَةٌ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ حَفَّتْ بِهِمْ حَدَائِقُهَا وَفِرْقَةٌ مِنْهُمْ قَدْ أُدْخِلَتِ النَّارَ فَسَاءَتْهُمْ مَرَافِقُهَا تَعَاهَدَتْ هَذِهِ الْقُلُوبُ إِذَا هَمَّتْ بِخَيْرٍ عَاقَبَ عَوَاقِبَهَا إِنْ لَمْ يَمُتْ عِبْطَةً تَمُتْ هَرَمًا لِلْمَوْتِ كَأْسٌ وَالْمَرْءُ ذَائِقُهَا وَصَدُّهَا لِلشَّقَاءِ عَنْ طَلَبِ الْجَنَّةِ دُنْيَا اللَّهُ مَاحِقُهَا عَبْدٌ دَعَا نَفْسَهُ فَعَاتَبَهَا يَعْلَمُ أَنَّ الصَّبْرَ رَامِقُهَا يُوشِكُ مَنْ فَرَّ مِنْ مَنِيَّتِهِ يَوْمًا عَلَى غِرَّةٍ يُوَافِقُهَا قَالَتْ : ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى رَحْلِهِ فَلَمْ يَلْبَثْ إِلا يَسِيرًا حَتَّى طُعِنَ فِي جِنَازَتِهِ ، فَأَتَانِي الْخَبَرُ ، فَانْطَلَقْتُ إِلَيْهِ فَوَجَدْتُهُ مَنْعُوشًا قَدْ سُجِيَ عَلَيْهِ ، فَدَنَوْتُ مِنْهُ ، فَشَهِقَ شَهْقَةً ، وَشَقَّ بَصَرَهُ ، وَنَظَرَ نَحْوَ السَّقْفِ ، وَرَفَعَ صَوْتَهُ ، وَقَالَ : لَبَّيْكُمَا هَأَنَذَا لَدَيْكُمَا ، لا ذُو مَالٍ فَيَفْدِينِي ، وَلا ذُو أَهْلٍ تَحْمِينِي ، ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ ، إِذْ شَهِقَ شَهْقَةً ، قُلْتُ : قَدْ هَلَكَ الرَّجُلُ ، فَشَقَّ بَصَرَهُ نَحْوَ السَّقْفِ ، وَرَفَعَ صَوْتَهُ ، فَقَالَ : لَبَّيْكُمَا لَبَّيْكُمَا ، هَأَنَذَا لَدَيْكُمَا ، لا ذُو بَرَاءَةٍ فَأَعْتَذِرَ ، وَلا ذُو عَشِيرَةٍ فَأَنْتَصِرَ ، ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ إِذْ شَهِقَ شَهْقَةً ، وَنَظَرَ نَحْوَ السَّقْفِ ، فَقَالَ : لَبَّيْكُمَا لَبَّيْكُمَا ، هَأَنَذَا لَدَيْكُمَا : إِنْ تَغْفِرِ اللَّهُمَّ تَغْفِرْ جَمًّا وَأَيُّ عَبْدٍ لَكَ لا أَلَمَّا ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ ، وَشَهِقَ شَهْقَةً ، فَقَالَ : لَبَّيْكُمَا لَبَّيْكُمَا ، هَأَنَذَا لَدَيْكُمَا : كُلُّ عَيْشٍ وَإِنْ تَطَاوَلَ دَهْرًا صَائِرٌ مَرَّةً إِلَى أَنْ يَزُولا لَيْتَنِي كُنْتُ قَبْلَ مَا قَدْ بَدَا لِي فِي قِلالِ الْجِبَالِ أَرْعَى الْوُعُولا ثُمَّ مَاتَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَا فَارِعَةُ ، فَإِنَّ مَثَلَ أَخِيكِ كَمَثَلِ الَّذِي أَتَاهُ اللَّهُ آيَاتِهِ فَانْسَلَخَ مِنْهَا " إِلَى آخِرِ الآيَةِ .