وَقَدْ بَيَّنَ أَيْضًا فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ: أَيُّ الْمَالِ خَيْرٌ فِي حَالَةٍ أَمْ أُخْرَى لِقَوْمٍ آخَرِينَ؟ فَقَالَ: «خَيْرُ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ يَتَّبِعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ، وَمَوَاقِعَ الْقُطْرِ، يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنْ الْفِتَنِ».
مَسْأَلَة ذِكْرَ أَحَدِ الضَّمِيرَيْنِ يَكْفِي عَنْ الثَّانِيالْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا} التوبة: 34: فَذَكَرَ ضَمِيرًا وَاحِدًا عَنْ مَذْكُورَيْنِ.
وَعَنْهُ جَوَابَانِ.
أَحَدُهُمَا: أَنَّ قَوْلَهُ: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ} التوبة: 34 جَمَاعَةٌ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ كَنْزٌ، فَمُرَجِّعُ قَوْلِهِ: " هَا " إلَى جَمَاعَةِ الْكُنُوزِ.
الثَّانِي: أَنَّ ذِكْرَ أَحَدِ الضَّمِيرَيْنِ يَكْفِي عَنْ الثَّانِي، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} الجمعة: 11.
وَهُمَا شَيْئَانِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
إنَّ شَرْخَ الشَّبَابِ وَالشَّعْرِ الْأَسْ
... وَدِ مَا لَمْ يُعَاصَ كَانَ جُنُونَا
وَطَرِيقُ الْكَلَامِ الظَّاهِرِ أَنْ يُقَالَ مَا لَمْ يُعَاصَيَا، وَلَكِنَّهُ اكْتَفَى بِذِكْرِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ، لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ.
مَسْأَلَة مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُالْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ: إنَّمَا وَهِمَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ أَهْلُ الْكِتَابِ، لِأَجْلِ قَوْلِهِ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ} التوبة: 34 يَعْنِي مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَرَجَعَ قَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} التوبة: 34 إلَيْهِمْ.
وَهَذَا لَا يَصِحُّ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ أَوَّلَ الْكَلَامِ وَخُصُوصَهُ لَا يُؤْثِرُ فِي آخَرَ الْكَلَامِ وَعُمُومِهِ، لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ.