وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الْجَوَازِ إلَّا مَنْ حَفِظَهَا، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ وَكِتَابِ شَرْحِ الْمُشْكِلَيْنِ؛ وَلِهَذَا وَجَبَ عَلَيْكَ أَنْ تُؤَدِّيَهَا إلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ؛ فَتُقَابِلَ مَعْصِيَةً فِيكَ بِمَعْصِيَةٍ فِيهِ، عَلَى اخْتِلَافٍ بَيَّنَّاهُ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ.
وَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لَكَ أَنْ تَغْدِرَ بِمَنْ غَدَرَ بِكَ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: " بَابُ إثْمِ الْغَادِرِ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ ". فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قَالَ الشَّعْبِيُّ: مَنْ حَلَّ بِكَ فَاحْلُلْ بِهِ قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: يَعْنِي أَنَّ الْمُحْرِمَ لَا يُقْتَلُ، وَلَكِنْ مَنْ عَرَضَ لَكَ فَاقْتُلْهُ وَحُلَّ أَنْتَ بِهِ أَيْضًا، مَنْ خَانَكَ فَخُنْهُ. قُلْنَا: تَحْرِيمُ الْمُحْرِمِ كَانَ بِشَرْطِ أَلَّا يَعْرِضَ لَهُ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ، وَالْأَمَانَةُ يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهَا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ.
مَسْأَلَةٌ الْأَكْل مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي الْغَزْوِالْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ: قَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ: إنَّا نُصِيبُ فِي الْغَزْوِ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ الدَّجَاجَةَ وَالشَّاةَ وَنَقُولُ: لَيْسَ بِذَلِكَ عَلَيْنَا بَأْسٌ. فَقَالَ لَهُ: هَذَا كَمَا قَالَ أَهْلُ الْكِتَابِ: لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ؛ إنَّهُمْ إذَا أَدَّوْا الْجِزْيَةَ لَمْ تَحِلَّ لَكُمْ أَمْوَالُهُمْ إلَّا عَنْ طِيبِ أَنْفُسِهِمْ.
مَسْأَلَةٌ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَالْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ: قَوْله تَعَالَى: {وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} آل عمران: 75 هَذِهِ الْآيَةُ رَدٌّ عَلَى الْكَفَرَةِ الَّذِينَ يُحِلُّونَ وَيُحَرِّمُونَ مِنْ غَيْرِ تَحْلِيلِ اللَّهِ وَتَحْرِيمِهِ، وَيَجْعَلُونَ ذَلِكَ مِنْ الشَّرْعِ، وَمِنْ هَذَا يَخْرُجُ الرَّدُّ عَلَى مَنْ يَحْكُمُ بِالِاسْتِحْسَانِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ، وَلَسْت أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ قَالَهُ.
الْآيَة الْعَاشِرَة قَوْله تَعَالَى إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًاأُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} آل عمران: 77 فِيهَا مَسْأَلَتَانِ: