. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .= ولكن الحرمة: شيء وصحة البيع شيء آخر، فالفقهاءكلهم متفقون على صحة المعيب الذي لا يعلم المشتري بعيبه، سواء كان البائع عالماً بالعيب أو غير عالم به، أما إذا كان غير عالم به فالأمر ظاهر، وأما إذا كان عالماً به فقاسوه على بيع المصراة صح بيعها مع التدليس بالتصرية بنص الحديث، وظهور قلة اللين في موطن ظن كثرته إن لم يكن عيباً فهو قريب منه، وأيضاً قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "البَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَذِبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا" دال على الصحة حيث مسمى البيع مع الكتمان بيعاً، وهو دليل الصحة إلا أنه ممحوق البركة، وهو دليل الحرمة ثم النهي مع ذلك راجع إلى معنى في العاقد خاصة هو غشه وتدليسه لا إلى معنى في العقد أو المعقود عليه حتى يكون البيع فاسداً. وللمشترى: الخيار مع ذلك قياساً على بيع المصراة حيث ثبت للمشتري حق فسخ البيع بالتصرية، ليدفع عن نفسه الغبن بل الخيار يثبت للمشتري هنا من باب أولى، لأن التصرية ليست بعيب أعني قلة اللين بل من باب فوت كمال مظنون، وأيضاً فقد روى أبو داود بسنده إلى عائشة -رضي الله عنها-: "أن رجلاً ابتاع غلاماً فأقام عنده ما شاء الله أن يقيم ثم وجد به عيباً فخاصمه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فرده عليه فقال الرجل: يا رسول الله قد استغل غلامي فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الخَرَاجُ بِالضَّمَانِ" وهو نص في المطلوب. ولأن مقتضى العقد هو السلامة، لأنها الأصل في المبيع، والعيب طارئ عليه، والعقد عند الإطلاق ينصرف إلى ما هو الأصل أو الشأن في المبيع سيما وقد تأيد هذا الأصل بالعرف، فالناس في بياعاتهم على أن المبيع يجب أن يكون خالياً من كل عيب ينقص القيمة، أو يحدث خللاً بأوجه النفع منه فالمشتري حين دخل في البيع دخل على هذا الأساس، فلو ألزمناه البيع مع ظهور عدم تحقق هذا الأساس لكان إلزاماً له بغير ما رضي به في حقيقة الأمر. ويدل على أن الأصل في المبيع هو السلامة من العيوب ما روي عن العداء بن خالد بن هوذة -وهو صحابي أسلم بعد حنين- قال: كتب لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كتاباً-: "هَذَا مَا اشْتَرَى العَدَّاءُ بْنُ خَالِدِ بْنِ هَوَذَةَ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- اشْتَرَى مِنْه عَبْدَة أَوْ أَمَة لاَدَاءَ وَلاَ غَائِلَةَ وَلاَ خَبْثَةَ بَيْعَ المُسْلِمِ المُسْلِمَ" والداء هو العلة، والغائلة من الاغتيال، وهو الاحتيال على العاقد من حيث لا يشعر ليبتز منه ماله بالباطل، والخبثة من الخبث عند الطيب، وهو الحرام، كما أن الطيب هو الحلال. دل قوله -عليه الصلاة والسلام-: "بَيْعَ المُسْلِمِ المُسْلِمَ" على أن شأن بيوع المسلمين ما خلت عن العيوب المذكورة. والمراد من قوله: "لاَ دَاءَ" أي يجهله المشتري، بخلاف ما لو علمه فإنه من البيع الحلال. ثم الخيار: بين رد المبيع واسترداد الثمن إن كان قد دفعه وبين إمساكه بدون أرش العيب، وهذا عند الشافعية، والحنفية، والظاهرية، والمالكية، إلا أنه عند الأخيرين إذا كان العيب يسيراً لا ينقص من الثمن إلا قليلاً، وكان في الدور والعقار فليس للمشتري في هذه الحالة إلا حق المطالبة بأرش العيب مع إمساك المبيع، لأن موضوع العقد مما يراد للقنية في العادة فلا يفسخ العقد فيه من أجل هذا النقص اليسير. وعند الحنابلة مخير بين هذين، وبين إمساكه مع أرش العيب أيضاً. وهذا أكله إذا لم يتعذر الرد، فإما إن تعذر فله أخذ الأرش باتفاق تعويضاً عما فوته عليه العيب من حقه في سلامة المبيع. وجه مذهب الجمهور -هو قياس العيب على =