. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .= اعتراضاتهم على هذه الأحاديث ينحصر في مقامين؛ المقام الأول: مقام الرد والطعن. والمقام الثاني: مقام التسليم مع التأويل. المقام الأول: يشمل ثلاث أحوال: الحال الأولى: رد هذه الأحاديث لمخالتفها القياس الصحيح والأصول المعترف بها شرعاً. الحال الثانية: ردها لكونها منسوخة بأحاديث أخر. الحال الثالثة: ردها لاضطرابها اضطراباً لا تقوم معه حجة على إثبات الخيار. الحال الأولى: أما مخالفتها للقياس وللأصول فمن وجوه أشهرها: أولاً: من المعلوم شرعاً أنه لا تضمن عين مع وجودها بل ترد هي بعينها. واللبن قد يكون موجوداً لدى المشتري فكيف يرد التمر عنه مع وجوده؟. ثانياً: الأصل في ضمان المتلفات هو المثل إن كانت من المثليات والقيمة إن كانت من القيميات فكيف يضمن اللبن بالتمر وهو لا مثل ولا قيمة؟ ثالثاً: الأصل في الضمان أن يزيد وينقص تبعاً لزيادة المضمون ونقصانه، ولبن المصراة يختلف قلة وكثرة تبعاً لاختلاف الجنس والنوع والجو والمرعى، وهكذا وضمانه دائماً هو صاع التمر لا يزاد عليه، ولا ينقص منه. رابعاً: قالوا إن ثبت حقاً خيار التصرية فهو ملحق ولا بد بخيار العيب لشبهه به، وخيار العيب غير مؤقت على معنى لو اطلع المشتري على العيب في أي وقت، ولو بعد سنة من البيع ثبت له حق الرد بالعيب، بينما نصت هذه الأحاديث على تأقيت خيار التصرية بثلاثة أيام، فلو مضت الثلاث ثم علم بالتصرية فلا خيار له فكان مخالفاً لخيار العيب من هذه الناحية. وهذا الحديث لم يرو من طريق صحيح غير طريق أبي هريرة -رضي الله عنه-، وأبو هريرة عندنا إذا ما خالفت رواية القياس الصحيح قدم القياس عليها، إذا كانت روايته في الفقه؛ لأنه لم يكن ذا بصر نافذ فيه، وقد ظهر تساهله في بعض مسائله، وكان من أجل ذلك عرضة لإنكار بعض الصحابة عليه. فهذا ابن عباس -رضي الله عنه- يرد عليه رواية الوضوء من حمل الجنازة قائلاً: "أنتوضأ من حمل عيدان يابسة؟ " وحديث الوضوء مما مسته النار قائلاً: "لو توضأت بماء ساخن أكنت أتوضأ منه؟ ". الحال الثانية: وهي نسخ هذه الأحاديث فإنهم اختلفوا في الناسخ لها فقيل هو قوله -صلى الله عليه وسلم-: "الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ" لأن المصراة لو تلفت عند المشتري كانت من ضمانه فتكون فضلاتها له ومنها اللبن بموجب هذا الحديث، وإذا كان اللبن له فهو لا يضمنه. وقبل الناسخ نهيه -عليه الصلاة والسلام-: "عَنْ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ" لأن لبن المصراة قد صار ديناً في ذمة المشتري، فإذا ألزم في ذمته صاعاً بدله كان من قبيل بيع الدين بالدين، أو فسخ الدين في الدين وقيل الناسخ غير هذا مما هو أضعف شأناً ودلالة على النسخ مما ذكرنا فضربنا صفحاً عن ذكره. وإذا ظهر أن أحاديث خيار التصرية منسوخة بما ذكرنا، فقد بطل التمسك بها لثبوت الخيار لا سيما ومخالفتها للأقيسة الصحيحة مما يقوي الظن بمنسوخيتها. الحال الثالثة: وأما اضطرابها فهو ما تقدم من أن هذه الأحاديث رويت بألفاظ كثيرة، وهي مع ذلك متعارضة يدفع بعضها في صدر بعض. نذكر منها: "رَدَّهَا وَرَدَّ مَعَهَا صَاعاً مِنْ تَمْرٍ" "صَاعاً =