. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .= المكان أو المرعى فإذا جاء اليوم الثالث موافقاً للثاني علم أن كثيرة اللبن في اليوم الأول إنما كانت لأجل التصرية. هذا هو جواب الاعتراضات الواردة على الحديث من حيث مخالفته للأصول والقياس. وأما الاعتراضات الواردة عليه من حيث هو منسوخ فهاك جوابها. قولهم: إنه منسوخ بحديث: "الخَرَاجُ بِالضَّمَانِ، فهذا فرع أنه يعارضه، ولا معارضة بينهما -إن شاء الله-. لأن الخراج هو الغلة، كما جاء مصرحاً به في بعض الروايات، والمراد بها الحادثة على ملك المشتري، لكونه من ضمانه حينئذ. ولبن التصرية موجود وقت البيع فهو للبائع في الأصل لكونه حدث على ملكه، وعلى ذلك فهو مبيع كالأصل ويأخذ قسطاً من الثمن. فإن تلف عند المشتري وجب عليه ضمانه إن فسخ البيع لكونه كجزء المبيع. وعلى فرض أنه يعارضه فهو عام، وحديث التصرية خاص، والواجب حمل العام على الخاص، ومع هذا فليس حديث الخراج بالضمان في قوة حديث التصرية حتى يعارضه. وقولهم إنه منسوخ بنهيه -عليه الصلاة والسلام- عن بيع الدين بالدين، فهذا حديث ضعيف لا يعارض حديث التصرية، ولو عارضه فهو عام مخصوص به، وقد قال الشوكاني في بيان عدم التعارض بين الحديثين: -ولو صح حديث النهي عن بيع الدين بالدين، فليس صاع التمر ديناً في ذمة المشتري؛ لأنه يجب عليه توفيته حالاً مع رد المصراة-. والتحقيق أن لبن التصرية مملوك للمشتري بالعقد كالأصل، فإذا هلك هلك على ضمانه، ولكنه أن رد العين فقد وجب عليه للبائع بدله صاع التمر ابتداء في ذمته. وقد أضربنا عن اعتراضات أخر غير ما ذكر لأنها أقل شأناً وأسهل دفعاً. وإذا تبين سقوط اعتراضات الحنفية على حديث التصرية علمنا أن الحديث صالح للحجية، وليس بعد أن يصح الحديث وتصلح للاستدلال حاجة إلى دليل آخر يعضده فسواه صحت أقيسة الجمهور أم لم تصح، فمذهبهم في هذه الخلافية ظاهر الصواب، وحينئذ يكفينا في رد دليل أبي حنيفة، وعدم نهوضه حجة على مذهبه، أنه قياس في مقابلة النص، وهو باطل باتفاق العلماء. وههنا مسائل: الأولى: لم يأت نص تصريح في أحاديث التصرية على البقر، ولكن الجمهور قاسها على الإبل والغنم من باب أولى، لأنه إذا وجب الصاع في لبنهما، وهو أقل عادة من لبن البقر؛ فلأنه يجب في لبنها من باب أولى، هذا مع أن بعض روايات الحديث قد وردت بصيغة عامة شاملة: "مَنِ اشْتَرَى مِصْرَاة" إلا أنها على كل حال غير صريحة في البقر. الثانية: إذا كان المبيع مصراة من غير بهيمة الأنعام، فهل يرد من أجل التصرية أم هذا الحكم مقصور على الأنعام؟. المالكية، والصحيح من مذهبي الشافعية، والحنابلة، أن التصرية في غير الأنعام يرد من أجلها المبيع؛ لأنها تغرير بما يزيد من أجله الثمن، ولعموم لفظ الحديث: "مَنِ اشْتَرَى مِصْرَاة". والصحيح من مذهب الشافعية أنه في حال الرد لا يجب عليه الصاع، إلا في المأكول وحده قياساً على النعم، بينما غيرهم لا يوجب الصاع مطلقاً لأن لبن غير الأنعام لا يعتاض عنه غالباً، وليس مثله في الغذاء، وإن كان قد يقصد لتربية الحيوان. وحديث المصراة قد تضمن حكمين حكماً بالرد للتغرير، وهذا هو المقيس عليه الرد في غير النعم، وحكماً بوجوب الصاع، وهذا لا يقاس عليه لبن غير الأنعام؛ لأن لا يساويه من حيث القيمة ولا المنفعة. وفريق من الشافعية، والحنابلة، يرون عدم جواز رد المبيع من غير بهيمة الأنعام؛ بسبب التصرية، لأن الأحاديث قد وردت بلفظ الإبل والشاة فقيس عليهما ما في معناهما وهو =