. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .= وثلاث تحرمها، فقال ابن عباس: زينتها يا أبا هريرة، أو قال: نورتها أو كلمة تشبهها يعني أصاب. فأبو هريرة كان أكرم على ابن عباس مما يظن القوم، وأفضل عنده منه عندهم. ولسنا بهذا نحاول الدفاع عن أبي هريرة بعد ما دافع عنه الرسول -صلى الله عليه وسلم- وزكاة، ودعا له بكثرة الحفظ، وإنما هي كلمة جررنا إليها جراً. ولا نقول كما قال بعض الكتاب: إن هذا الحديث لم ينفرد به أبو هريرة وحده، فأني أشعر بوخز ضميري لو قلت هذا القول، فأبو هريرة فيه الكفاية بل هو فوق الكفاية، فضلاً عن أنه يفتح باباً للحنفية في الطعن والتجريح، لا مخلص منه إلا بتزكية أبي هريرة آخرة الأمر ودعوى الاكتفاء به. هذا مع أن رد حديث أبي هريرة لمثل هذا الذي ذكره الحنفية يجرنا إلى مواقف محرجة، ويوقعنا في مسائل شائكة ما كان أحرانا بالابتعاد عنها، فإنه أكثر الصحابة رواية للحديث، وشطر كبير من الدين يتوقف على حديثه وحده، فاللهم لا حول ولا قوة إلا بالله. ثم القول بأن الحديث منسوخ -بما ذكروا من الأحاديث- فهي على فرض أنها تعارضه يتوقف القول بناسخيتها على تأخرها، وهذا ما لا سبيل لهم إليه. فكيف مع هذا وهذه الأحاديث لا تعارض حديث التصرية؟ وأما الاعتراض على الحديث بأنه مضطرب متناقض فجميع طرق الحديث الصحيحة -والحمد لله- لا اضطراب فيها ولا تعارض. أما الروايات المضطربة فهي الروايات الضعيفة، وهذه نسقطها من حسابنا. وتأويل الحديث على الوجه الذي ذكروا يكفينا في دفعه أنه بعيد بعداً لا يتصوره العقل. كيف وصاحب المبسوط نفسه يعترف بأنه تأويل بعيد؟. وأما الأجوبة التفصيلية: فتتناول اعتراضاتهم على الحديث واحداً واحداً فتقيدها تفنيداً مبينة أن شيئاً منها لا يخالف الأصول، ولا القياس، ولا يعارض نصاً صحيحاً من النصوص بل هو موافق لها جميعاً، فإما الاعتراض بأنه لا تضمن عين مع وجودها، فصحيح ومسلم إذا لم تتغير أوصافها، فإما لو تغيرت فإنها تضمن مع وجودها؛ لأنها حينئذ تكون في حكم المفقودة، ولبن التصرية مع فرض وجوده لدى المشتري من هذا القبيل؛ لأنه بالحلاب ومضي الوقت ذهبت طراوته، وتغير عن طبيعته، واضمحلت حلاوته. وأما الاعتراض بأن الأصل في الضمان هو المثل أو القيمة، والتمر ليس أحدهما، فهذا إذا كان المضمون معلوماً معيناً حتى يعلم مثله أو قيمته، أما إذا لم يكن كذلك كلبن التصرية فإنه يختلط باللبن الحادث عند المشتري على ملكه، ولا سبيل إلى تمييز أحدهما عن الآخر حتى يعلم قدره بيقين. فصاع التمر إذا تقدير من الشارع لبدل اللبن قطعاً للنزاع، وحسما للخصام والجدال. غاية ما هناك ما الحكمة في جعل التمر مكان اللبن؟ والحكمة فيه ظاهرة بأن طعام القوم الغالب فيهم حينئذ إنما كان اللبن والتمر فلما ذهب اللبن علي البائع عوض بدله التمر لقيامه مقامه في الغذاء. وبهذا أيضاً يجاب عن الاعتراض بأن بدل المتلف يقل ويكثر تبعاً لقلتة وكثرته، والصاع هنا واحد لا يزيد ولا ينقص. وأما الجواب عن هذا الاعتراض بنحو بدل الموضحة فإنه خمس من الإبل لا تزيد ولا تنقص، مع أن الموضحة ليست بحالة واحدة، فخارج عن محل النزاع، لأن هذا في العقوبات، ومحل النزاع هو الضمانات. وأما الاعتراض بأن خيار التصرية مؤقت، وخيار العيب غير مؤقت، فإنما كان الأمر كذلك، لأن العيب لا يعلم متى يوقف عليه فكان من المصلحة عدم تحديده، بينما التصرية تعلم غالباً في ظرف الثلاثة الأيام؛ لأن نقصان الخلاب في اليوم الثاني قد يكون لتغير =