وَالجَدَّاتُ، إِذْ لاَ يَحْسُنُ أَنْ يَكُونَ مُعْدِماً لِسَبَبِ وُجُودِهِ وَكَذَلِكَ لاَ يَقْتُلُ الجَلاَّدُ أبَاهُ وَلاَ الغَازِي، وَلَوْ قَتَلَ زَوْجَةَ ابْنِهِ فَلاَ قِصَاصَ إِذْ ابْنُهُ وَارِثٌ فَيَسْقُطُ نَصِيبُهُ، فَلَوْ تدَاعَى رَجُلاَنِ مَوْلُودًا فقَتَلَهُ أَحَدُهُمَا تَوَقَّفْنَا فَإِنْ أَلْحَقَهُ القَائِفُ بِهِ فَلاَ قِصَاصَ، وإنْ أَلْحقَهُ بِالثَّاني اقْتَصَّ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: لا قصاص على الوالد بقَتْل الولَدِ، وبه قال أبو حنيفة وأحمد، وعن مالك: أنه إن تعمَّد قتله، فعليه القصاص، وُيرْوَى أنه إن أضْجَعَه وذبحه، فعليه القِصاص، وإن حذفه بالسيف، فلا؛ لاحتمال أنه قَصَد التأديب.
لنا: ما رُوِيَ أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "لاَ يُقَادُ الوَالِدُ بِالوَلَدِ" (1) ولأن الوالد سبب لوجود الولد، فلا يَحْسُنُ أن يَصِيرَ الولَدُ سبباً معدماً له، ولا يليق ذلك بحرمة الأبوة، ولرعاية حرمته، قلنا: إنه لا يُحَدُّ بقذف ابنه، وكرِهْنا للجلاَّد أن يقتل أباه حدّاً وقصاصاً، وللغازِي أن يَقتل أباه الكافِرَ، وستعود صورة الغازِي في " كتاب السير".
والأمُّ كالأب، وكذا الجدات والأجداد لا يُقْتلُون بالأحفاد، سواءٌ قَربُوا أو بَعدُوا، وسواء كانوا من قبل الأب أو من قبل الأم.
وعن صاحب "التلخيص" وأبي الطيِّب بن سلمة روايةُ قول في الأجداد والجدات، قال الإِمام وهذا لا يقبله الأصحابُ منْصوصاً ولا مُخرَّجاً، ولعله أخِذَ من قول الشَّافعيِّ -رضي الله عنه- في أن الرجُوعَ في الهبة تختص بالأبَويْنِ، وليس هذا على وجهه، فإن اللائق بالهبة منْعُ الرجوعِ والاقتصار على مورد الخبر، واللائق بالقِصَاصِ إذا عهد ما يَدْرَأ العقوبة ألاَّ يخصّص وحَكَى خلافاً ذُكِرَ في أن القصاص لا يَجِبُ على الأبِ أو يجِبُ ثم يسقُط؛ لتعذُّر الاستيفاء؟
قال: وهذا من حشْوِ الكلامِ، والمانعُ من الاستيفاء مانعٌ من الوجوب، ولو قضى قاضٍ بقتل الوالد بولده قال القاضي ابن كج: يُنْقَضُ حكمه، وليكُنْ هذا في الموضع