غير أن يلجئه إلَى الإتلاف، فصار كما إذا أكل المضطرُّ طعامَ الغير، وليس كما إذا صَالَتْ عليه (1) بهيمة، فأتلَفَها؛ دفْعاً، وعن مالك: لا ضمان على المُلْقِي، وذكر الإِمام اعتراضاً فيما إذا (2) خَلَصَ عن الغرق بإلقاء متاعِ نَفْسه، فقال: سيأتي ذكْرُ وجهين في أن صاحب الطعامِ، إذا أطْعَمَ المضطرَّ قهراً، هل يرجعُ عليه بقيمة الطعامِ، فهلاَّ كان الحكم فيما إذا ألقى متاعه كذلك، وأجاب عنه بأنَّ مُلْقِي المة ع، إن كان شمله الخَوْفُ؛ بأن كان من ركَّاب السفينة المُشْرِفة على الغَرَق، فهو سَاعٍ في تَخْليص نفسه، مُؤَدٍّ واجباً عليه، فيبعد أن يرجعَ على غيره بخلافِ صاحب الطَّعاَم مع المضطرِّ، وإن كان على الشَّطِّ، أو في زوْرَقٍ، ولا خَوْفَ عليه، فالفرق أن المُطْعِم مخلِّصٌ لا محالة، دافع للتَّلَفِ الذي يفضي إلَيْه الجوع، ومُلْقِي المتاع غَيْر دافِعِ لِخَطَر الغَرْق، لا محالة. وعن "المنهاج" للجوينيِّ إجراءُ الوجهين فيما إذا ألقى المتاعَ، ولا خوف عليه، ولو قال لغيره: "ألْقِ متاعَكَ في البَحْر، وعَلَيَّ ضمانُه، أو عَلَيَّ أنِّي ضامنٌ، أو عَلَيَّ أنِّي أضمَنُ قيمتَهُ"، فعلى الملتمِسِ (3) الضمانُ، وفي شرح "مختصر الجوينيِّ" عن بعض الأصحاب؛ أنَّه لا يلزمه شيءٌ؛ لأنه ضمان ما لَمْ يجب، وهذا يشتهر (4) بأبِي ثَوْر، لكن الشارحَ لم يروْهُ، فإنه قال: وقال أبو ثوْرٍ وبعضُ أصحابنا: لا يضمَنُ، ووجه ظاهرِ المذهب أنَّه التماسُ إتلافِ بِعِوَضٍ له فيه غرضٌ صحيحٌ؛ فصار كما لو قال: أعتِقْ عَبْدَكَ عَلَى كذا، فأعتق، قال الأصحاب: وليس هذا عَلَى حقيقة الضمانِ، وإن سُمِّيَ به لكنه بَذْلُ مالٍ للتخليصِ عن الهلاك، فهو كما لو قَال: أَطْلِقْ هذا الأسيرَ، ولك عَلَيَّ كذا، فأطلقه، يجبُ الضمان، وبنى القاضِي الحُسَيْن عليه؛ أنَّه لو قال لمن له القصاصُ: اعْفُ، ولك كذا، أو قال لغيره: أَطْعِمْ هذا الجائِعَ، ولك عَلَيَّ كذا، فأجاب؛ يستحقُّ ما سمي، ولو اقتصر عَلَى قوله: أَلْقِهِ في البَحْر، ولم يَقُلْ: وعَلَيَّ ضمانه، فمنهم مَنْ جعل